أجراس فجاج الأرض – عاصم البلال الطيب – زينب السعيد .. أحلام فى بئر يوسف
الجب
تستحق أحلام فى جب زينب السعيد ، الغوص فى الغيابت والخروج من الغياهب باللآلى ، ومزاوجة الملاقحة بين الروحين القانونية والإعلامية تبدد حلوك الليالى ، تنهض نخلة وحيدة من لحم ودم وتطرح بين جريدها أنثى سودانية، متعددة السحنات متفرعة الألسن لهجات ، وثمرتها لغة فصيحة ولكنتها زينب زكية النكهة وحلوة المذاق ورائحتها نفح من الأرواح ودفق من الأنفاس ، ورائعة كما شجرة الزنب فى تأويل أول لمعنى الإسم ، وأما الأقرب والمعنى الأبلغ الربط بين البنت تلك الست والأب سيد الخلق ، زين أب ، ومركب الصفة والإسم هاتين زينب البنت و أبيها السعيد . إمرأة تبرع فى توثيق سيرتها الذاتية بروى من بئر عميق مضارع لمبتلع الصديق . زينب السعيد إلتقيتها آخرة قبيل رمضان الحرب فى عامنا الماضى عند مدخل فضائية النيل الأزرق بينما أنا مغادر إستديو بعد الطبع ، تتجه هى مدعوة لحضور تسجيل بضع حلقات من برنامج أغانى وأغانى و السر قدور وتقديم الوريث صديقنا المشترك مصعب الصاوى الوسيم الفهيم ، هو لقاؤنا الأخير ثلاثتنا ، وما بيننا عمار سنوات من المودة والرحمة والإحترام . وثلاثتنا نجتمع كل سبت ، أعضاء فى اللجنة القومية لتخليد سيرة الإمام الصادق المهدى برئاسة بابا الأحفاد البروف قاسم بدرى ومقررية سكرتير الإمام الخاص محمد زكى وألمعية رباح الصادق . زينب السعيد المحامى إسم فى محافل القانون ورقم بين جحافل القضاء الواقف ونحلة فى مجتمع متقدم الدولة . من شرفة الترافع والتحاور فى قاعات المحاكم ، تطل على شُرف المظالم تناظر وتعاين وجوها تصطف للحاق بركب السنابك . كاتبة مقالات راتبة بعدد من صحفنا تللك السيارة بين الناس والأسافير إمتداد لسيرة عطاء وسخاء حقيق بالتقدير والوفاء . وثمة علاقة ما بين القانون والإبداع ورموز قضائينا الجالس والواقف أسماء فى عالم نثر الروى والقص ونظم الشعر وغزل القصيد وبنت السعيد . الأستاذة زينب لا أدرى كم مرت من سنوات التلاقى بيننا وعربون صداقتنا رواية ، ولكننى أدرك الذكرى من همسات الوصل وهمزات عقد الربط النضيد . قانونيون واعلاميون حولها ترسموا فيها روائي متوافر على أدوات المزج بين الواقع والخيال وادلة البراعة والنجاعة . وتمتاز مدرستها الأدبية الروائية بالتفرد والبصم المختلف . وليس من ضرب المصادفة صدور روايتها أحلام فى بئر يوسف فى زمن الحرب ، بل هى قراءات القانونية والإعلامية والسياسية بين وقائع الأحداث و سطور الصحائف وتقلبات الأعمال و الأفعال السياسية والمجتمعية ومختلف النزعات الشابة الثائرة للتغيير والتطوير.
النجاة
أحلام فى بئر يوسف ، رواية زينب السعيد ومولود إبداعها المتجدد ، تشير إلى كاتب تبلغ من النضج والطرح فى كل موسم جديد ومختلف ، تتفطن كاتبتنا الحصيفة لرفقة الشباب للمهاجر عبر السنابك وتتخير آليات للأزمنة والأمكنة ، ويعينها على بداعة السرد والفرادة الإحاطة بعالم المهاجرة من الشباب وتبدو من رويها وقصيصها ، مستغرقة فى الواقع وكأن عن معايشة ومجايلة والمعاصرة ليست لديها حجاب ، ملمة ومحيطة بعوالم الشباب حتى تظنها قبيل العكوف على اجتراح فصول الرواية بالإحساس ، خالطت المهاجرة وتحلقت فى معيتهم حول أقداح البوش فى كناتين اطراف الأحياء ونواصيها ، يهرسون الفول مرتين ، تتقاسم معهم الأدوار فى الإعداد وإطلاق الأفكار والمقترحات ، وتبدو بنت السعيد زين امها و أبيها من فرط الإستغراق فى الأحداث والشخوص فى أحلام بئر يوسف ، كأنها قد تنكرت بين المهاجرة الشباب رفيقا مختلفا وشاهدا على أحلامهم ، تستمع وتشارك فى حواراتهم و تتصورها معهم وهم يستغلون شريحة من سوق تجمعهم وترجلهم من راحلة لدابة حتى إكتظاظهم فى السنابك فى عرض البحار ، تطاردهم وتلاحقهم أحلام صباهم وشبابهم وآمالهم بعودة ظافرة أو بهجرة غانمة ودائمة ، ولأجل عينى حبيبة بالأحزان غائرة وام مكلومة حائرة ، ترافقهم أحداث عصيبة ؛ يرويها بطل رفاق الرحلة للمجهول سعد ، واختيار الإسم هدف . قمة دراما أحلام فى بئر يوسف وذروة أحداثها الغرق الحتمى للسنبك غير أن بنت السعيد وزين أبيها قدرت النهاية أن تكون بداية بنجاة البطل سعد واختيار الوطن المفر والمهرب من ركوب السنابك لعالم أحلام من الأوهام فى دول لم يذق أهليها أهوال ركوب صعاب السنابك . وربما يستعصى على مطوعى النصوص ، الإستلهام من رواية زينب السعيد ، محطات درامية اخرى وقد حصنتها وسيجتها بكتابة تعجز أفهام السينارستيين والمخرجين ، لتثبت أن للكلمة القدح المعلى وأنها الأصل لكل فن وإبداع ولو صامت ففى الإيماءات والإشارات كلام . وانت تقرأ احلام فى بئر يوسف تعجزك قدرة زينب السعيد عن مجرد التفكير فى المجاراة فى الوصف والقص والتعايش مع تفاصيل ولحظات سودانية أسرية مهددة جمعتها ، وأخوة مفعمة بالصداقة تتربصها عوامل تعرية وتفرقة موجعة ، تبحث عن بئر إما للخلاص او الغرق دفعة واحدة ولا سيارة فى عرض البحار ، وتحيلك بنت السعيد لمتلقٍ مسترخّ ولكن مفكر فى العواقب والمغبات جراء القيام بأفعال دون احتساب لردود الفعل ، إذ عليك يا مقدام بالتفكير مهما ضاقت بك الأحوال قبل الإقدام ، ولست أدرى منذ متى عكفت روائيتنا وروايتنا الكبرى زينب على الإبحار فى بئر بحجم وعرض البحار لتقف على الدوافع الشابة لركوب صعاب السنابك ، تعلم هى الأسباب ولكنها رمت للمعايشة بخيال ولا أجمح ، ربما ابتدأت هى إبحارها وحبيبات العقود السودانية الأصيلة تنفرط بالمهاجر والمغتربات وتشتد تبعثرا بالتسلل الشبابى ليلا ولواذا ، إعلانا عن فشل دولة كما منسوب للشريف زين العابدين أرض الميعاد ، وهاهى الأحلام فى بئر يوسف تستعر حربا لتكتب زينب روايتها الكبرى.