مقالات الرأي

الأخلاق في مواجهة المصالح : هل يصنف العالم المليشيا إرهابية أم يمنحها الشرعية؟

خبر وتحليل عمار العركي

الأخلاق في مواجهة المصالح: هل يصنف العالم المليشيا إرهابية أم يمنحها الشرعية؟
__________________________

▪️ للمرة الثالثة، أنهي هذا المقال ثم أعيد كتابته من جديد، ليس بسبب تغير المعطيات بقدر ما هو تعثر ولادة حكومة “الوطن البديل”، الابن الشرعي للخيانة الوطنية. هذه الحكومة التي يتم التسويق لها كخيار “واقع سياسي جديد”، لم تولد حتى الآن رغم كل المحاولات، لأن الفكرة ذاتها قائمة على فرضية مرفوضة شعبيًا وسياسيًا، محليًا وإقليميًا.

▪️ولكن، وكأن المشهد السوداني يأبى أن يظل على ثبات، فبينما كنت أضع اللمسات الأخيرة على المقال، جاءت فاجعة أخرى لتكشف مدى الوحشية التي وصلت إليها مليشيا الدعم السريع، حيث نصبت مجزرة مروعة في قرى القطينة بولاية النيل الأبيض، راح ضحيتها أكثر من 433 شهيدًا من المدنيين الأبرياء، لهم الرحمة والمغفرة، ونحسبهم شهداء عند الله.

▪️هذه الجريمة، التي تضاف إلى سجل طويل من الفظائع التي ارتكبتها المليشيا، تجعل السؤال الأخلاقي والإنساني أكثر إلحاحًا: كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يتجاهل هذه المجازر، وفي الوقت ذاته يُترك الباب مفتوحًا لمنح المليشيا شرعية سياسية عبر حكومة الوطن البديل.

المجتمع الدولي على المحك: تصنيف إرهابي أم شرعنة المليشيا_ ؟

▪️لقد أصبح تصنيف المليشيا كمنظمة إرهابية أمرًا ملزمًا أخلاقيًا وإنسانيًا وقانونيًا بعد هذه المجزرة. فإذا لم تحرك هذه الجريمة المجتمع الدولي الآن، فلا أعتقد أنه سيتحرك مستقبلًا، لأن حجم الفظائع والانتهاكات التي ارتكبتها هذه المليشيا بلغ درجة لم يعد بالإمكان تبرير الصمت عنها.

▪️ ورغم كل هذه الحقائق الدامغة، لا تزال بعض القوى الدولية تتعامل مع هذه المليشيا كطرف يمكن “إدماجه سياسيًا”، بدلاً من اتخاذ موقف حاسم بتصنيفها كمنظمة إرهابية. هذا التناقض الفاضح يطرح تساؤلات جوهرية عن مدى تغليب المصالح على القيم، وعن مدى استعداد المجتمع الدولي للتخلي عن أبسط معايير العدالة في سبيل تحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية.

حكومة الوطن البديل.. آخر أوراق المرتزقة السياسيين

▪️في ظل تصاعد العزلة الشعبية والسياسية للمليشيا، لم يعد أمامها سوى محاولة إيجاد حاضنة سياسية تمنحها مخرجًا دبلوماسيًا. هنا يأتي الدور الذي تلعبه مجموعة “الوطن البديل”، التي تحاول أن تروج لنفسها ككيان سياسي بديل، رغم أن الواقع يؤكد أنها مجرد غطاء سياسي لمليشيا فقدت أي شرعية.

▪️وربما أدرك حزب الأمة، وكذلك القيادة العسكرية لحركة العدل والمساواة، حجم الخسارة السياسية التي ستلحق بهم إذا استمروا في دعم هذه المجموعة، فكانت خطواتهم الأخيرة بالتبرؤ منها ولفظها، خاصة بعد إعلان الحركة المنشقة عن العدل والمساواة عزل سليمان صندل، أحد عرابي حكومة الوطن البديل، بسبب ارتهانه لمليشيا للدعم السريع وتورطه في المشروع الذي يسعى لتقسيم السودان.

▪️ بات واضحًا أن هذه المجموعة أصبحت مجرد أسماء وأشخاص بلا وزن ولا قيمة، يتمسكون بورقة حكومة الوطن البديل كآخر أمل لهم في البقاء بعد أن تم لفظهم على المستوى القومي والإقليمي كحاضنة سياسية واجتماعية.

الامتحان الحاسم: أين يقف العالم_ ؟

▪️ المجزرة التي شهدتها قرى القطينة ليست مجرد حادثة عابرة، بل هي جريمة ترتقي إلى جرائم الحرب والإبادة الجماعية، ومع ذلك، لم يصدر أي موقف دولي حاسم تجاهها حتى الآن. وهذا يطرح تساؤلًا جوهريًا: هل ما زال هناك مكان للأخلاق في السياسة الدولية، أم أن المصالح وحدها هي التي تحدد المواقف؟

▪️اليوم، يقف المجتمع الدولي أمام امتحان أخلاقي حقيقي: إما أن يتخذ موقفًا واضحًا بتصنيف المليشيا كمنظمة إرهابية، استنادًا إلى سجلها الدموي الممتد من دارفور إلى الخرطوم والنيل الأبيض والجزيرة ، أو أن يستمر في المماطلة والتسويف، ما يعني ضمنيًا منح هذه المليشيا فرصة جديدة للاستمرار في القتل والدمار.

▪️ إنه خيار بين الحق والباطل، بين الأخلاق والمصالح، وبين العدالة والازدواجية. فهل يختار العالم الوقوف مع السودان وأهله، أم يمنح الشرعية للإرهاب والفوضى؟

خلاصة القول ومنتهاه

لقد أثبت الشعب السوداني وقواته المسلحة منذ اليوم الأول أن الدفاع عن الكرامة والسيادة ليس رهينًا لموقف دولي، ولا مشروطًا بمساعدة خارجية. حين بدأ هذا التمرد، كان الجميع ضد السودان؛ تخاذلت الدول، وتآمرت بعض القوى، وتواطأت المنظمات، لكن رغم ذلك، وقف الشعب مع جيشه وحدهما، متشبثين بالأرض، مدافعين عن الوطن، كاسرين كل الرهانات التي ظنت أن السودان سيخضع أو يتفكك.

واليوم، وبعد كل هذه التضحيات، أصبح الحسم وشيكًا، والنصر قاب قوسين أو أدنى بإذن الله. فكما واجه السودان هذه الحرب وحيدًا، فإنه قادر على إنهائها وحيدًا، دون منة من أحد، ودون انتظار موقف دولي قد لا يأتي أبدًا. ومهما طال الصمت العالمي، فلن يكون له أثر أمام إرادة لا تُقهر، وعزيمة لا تنكسر، وإيمان شعب وجيش قررا أن لا صوت يعلو فوق صوت الوطن، وأن لا راية ستُرفع على هذه الأرض إلا راية السودان الواحد الموحد.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

زر الذهاب إلى الأعلى