أحرف حرة – إبتسام الشيخ – «أبيي» ضرورة العقل الإستراتيجي
أحرف حرة
إبتسام الشيخ
«أبيي» ضرورة العقل الإستراتيجي
في ظل مشهد سوداني معقد وظرف عصيب تمر به البلاد منذ الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣ وجبهة عريضة فُتحت على السودان ، أفرزت واقعا هو الأول من نوعه منذ نشأة الدولة السودانية ،
ووسط واقع مأزوم وفي ظل اشتعال حرب أهلكت الحرث والنسل ، أفنت من أفنت من السودانيين وشردت من شردت خلال عامين عجاف ،
وفي أيام بدأ السودان ينتنسم فيها عبق البشارات وتلوح شارات النصر في الحرب المشؤومة ، وتتجه الأنظار والعقول إلى ماهو آت من مستقبل يأمل السودانيون أن يخُطط له بنظرة إستراتيجية شاملة ،
وفي ظل المعاناة جراء حرب مليشيا الدعم السريع على السودانيين وتركيز مؤسسات الدولة على إعادة الاستقرار وتطبيع الحياة ،
وسط كل هذا برزت إلى السطح وتصدرت المشهد في اليومين الماضيين قضية أبيي القديمة المتجددة التي يشتد الطرق عليها حينا ويخفت احيانا وفق معطيات ، برزت هذه المرة نتيجة الصراع الداخلي الجنوب سوداني ،
المؤتمر الصحفي الذي نادت له الهيئة الشعبية لمجتمع أبيي نهاية الأسبوع الماضي والذي جاء على خلفية تطورات جديدة فيما يتعلق بقضية المنطقة المتنازع عليها ، وبحسب مصادر مطلعة في ظل محاولة بعض المناوئين للرئيس الجنوب سوداني إستغلال أبيي كورقة ضغط لوضعه في موقف حرج إزاء نتيجة استفتاء أبيي المجتمعي الذي أُجري في العام ٢٠١٣ والذي لم تقبل به حكومة الجنوب نفسها ،
وربما أيضا لمساعي آخرين من وراء مناوئي سلفاكير لإشعال أزمة بين السودان وجنوب السودان في إطار صراع المصالح الدولي ،
منظمو المؤتمر من مجتمع المنطقة ارسلوا بإسم الهيئة الشعبية رسالة مفادها تمسكهم بحقهم في أبيي تأريخا ووجود فعلي منذ عشرات السنين وأكدوا على حقهم كمجتمع في كل مايتعلق بشأن المنطقة مستنكرين الاستفتاء الأحادي الذي تم على أساس عرقي ، رافضين الاعتراف بنتيجته ،
ومتمسكين ببرتكول أبيي الذي تم توقيعه في العام ٢٠٠٥ كمرجعية لحل النزاع حول المنطقة ،
ووفق معلومات تلقيتها من مصادر موثوقة أنه على خلفية ردود الفعل على التصعيد الجنوبي الأخير والذي يمثل بعضه خروج مواطني أبيي في مسيرة هادرة تستنكر التصعيد الذي وصل حد وضع اعتماد نتيجة استفتاء العام ٢٠١٣ ضمن أجندة مجلس وزراءحكومة جنوب السودان الذي كان من المفترض انعقاده الأسبوع الماضي ، وماقابله من رد فعل وصف بالخطير من قيادات بارزة من أبناء المسيرية من مجتمع المنطقة ، وتصريحاتهم بأن حكومة الجنوب سترتكب خطأ فادح في حال اعتمادها نتيجة الاستفتاء ، الأمر الذي يترتب عليه بحسب قولهم إلغاء مهمة قوات اليونسفا الموجودة في جنوب السودان ، ولفت النظر الى أن اعتماد نتيجة الاستفتاء يعني الغاء اتفاقية الترتيبات الامنية والإدارية على منطقة ابيي تلقائيا ، بل وحذروا من أنهم سيقومون بإدخال اللوا ٣١ مشاة مرة أخرى ويطلبون من مواطني الجنوب مغادرة أبيي إلى حين حل المشكل ،
التصعيد هذه المرة حسب ذات المصادر الموثوقة دفع رئيس جنوب السودان بالإسراع الى مهاتفة رئيس مجلس السيادة السوداني ، وقطع وعدا بإيقاف التصعيد وحسم المسألة وعدم الاستجابة للضغوط الداخلية ، وقطع الطريق على أصحاب الأجندة من أبناء جلدته ،
في تقديري رغم حق أبناء المنطقة في الدفاع عن كينونتهم والتمسك بالحق التأريخي ، إلا أن قضية أبيي تحتاج إلى ماهو أبعد وأكبر من المؤتمرات الصحفية المحدودة ،
القضية تحتاج نظرة إستراتيجية وتفكير بعقل إستراتيجي ، يأخذ في الإعتبار وضع الدولة السودانية الحالي وظرفها الراهن ، ويتعاطي مع قضية أبيي بعيدا عن إشعال فتيل الفتنة وبعث جذوة الصراع ،
في إعتقادي أن إثارة المسائل الخلافية في هذا التوقيت هو فخ يُراد جر السودان اليه ،
وفتح أي جبهة الآن على خلفية النزاع حول أبيي ليس في مصلحة السودان المنهك ،
الأولوية الآن لحسم الحرب والتعافي من آثارها ، وحال استقرت البلاد يمكن أن تفتح العديد من الملفات ،
أرى أن ماينبغي فعله الآن مجهود على نار هادئة ،
يتضمن التوعية والتثقيف بأصل وطبيعة القضية التي يرى خبراء أن عدم الوعي الكافي بأبعادها أضر بها وشكل مهددا لها ،
بجانب العمل على حشد الأصوات و الأسانيد القاطعة بحق مجتمع المنطقة في التقرير بشأن وضعيتها .
حفظ الله البلاد والعباد