المبعوث الأمريكي الجديد : قراءة في الواقع السوداني الراهن وتحديات النفوذ الأمريكي
خبر وتحليل عمار العركي
المبعوث الأمريكي الجديد: قراءة في الواقع السوداني الراهن وتحديات النفوذ الأمريكي
*_مدخل وتحليل تاريخي_*
* في فبراير 2024، كتبتُ مقالًا تناول تسمية توم بيرييلو مبعوثًا أمريكيًا خاصًا للسودان، مشيرًا إلى أن الخطوة جاءت نتيجة لتحولات سياسية وإقليمية ودولية معقدة. كان المقال يعكس قراءة معمقة للواقع آنذاك، خاصة الخلافات داخل الإدارة الأمريكية بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية، التي أظهرت انحيازًا واضحًا للإمارات والمليشيات المرتبطة بها في السودان. كما تناول تدهور موقف حلفاء الولايات المتحدة داخل السودان، إلى جانب التحولات الدولية التي أضعفت الهيمنة الأمريكية في المنطقة.
* اليوم، ومع تعيين بيتر لورد مبعوثًا جديدًا، أصبح من الضروري إعادة قراءة تلك التحليلات في ضوء المستجدات على الساحة السودانية والدولية، التي تعزز دقة ما توقعته من فشل أدوات التدخل غير المباشر وتنامي نفوذ السودان على الصعيدين المحلي والدولي.
*_خلفية مختصرة عن المبعوث الجديد_*
* بيتر لورد، دبلوماسي مخضرم في الخدمة الخارجية الأمريكية، شغل مناصب متنوعة، من بينها نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون شرق إفريقيا والسودان وجنوب السودان. خدم في مناطق عدة مثل إثيوبيا وسوريا والعراق والمملكة المتحدة، مما يمنحه خلفية واسعة في إدارة الأزمات الإقليمية. تعيينه جاء في وقت دقيق يشهد فيه السودان تحولات كبرى، أبرزها تقدم الجيش السوداني سياسيًا وميدانيًا، وتراجع نفوذ المليشيات المدعومة خارجيًا.
*_تقدم سوداني وتراجع أمريكي_*
* الواقع الحالي في السودان يشير بوضوح إلى أن الجيش السوداني يحقق تقدمًا واضحًا في مواجهة المليشيات سياسيًا وعسكريًا، وفي وضعية سياسية أريح من تلك التي كان عليها قبل الحرب، إبان القبضة والسيطرة الأمريكية عبر عملاء المكون المدني ورباعية الترويكا وثلاثية فولكر. هذا التقدم يعيد تشكيل موازين القوة على الأرض ويعزز من قدرة السودان على فرض رؤيته الداخلية بعيدًا عن التدخلات الخارجية، متحررًا من أي ضغوط تُمارس.
* بالمقابل، نجد أن الدور السلبي للإمارات في السودان بدأ بالتضعضع نتيجة فشلها في دعم حلفائها المحليين داخل السودان، وبالتالي فشلها كحليف وكيل. هذا التراجع يضعف قدرة الولايات المتحدة على التأثير من خلال أدواتها التقليدية غير المباشرة. ومع تزايد النفوذ الروسي والصيني في المنطقة، خاصة في ظل التقارب السوداني مع هذين القطبين الدوليين، أصبح للسودان خيارات أوسع تمكنه من تقليل اعتماده على واشنطن أو حلفائها التقليديين.
* إضافة إلى ذلك، شكلت عودة الجمهوريين بقيادة ترامب بعدًا جديدًا وعاملًا مؤثرًا، حيث من المتوقع أن تسعى إدارة ترامب لإعادة صياغة السياسات الخارجية بتوجه أكثر براغماتية، بعيدًا عن سياسات الديمقراطيين التي أثبتت محدودية تأثيرها في السودان.
*_تحديات المبعوث الجديد بيتر لورد_*
* إن المبعوث الجديد يواجه واقعًا معقدًا يتجاوز محاولات الوساطة التقليدية التي اعتمدتها واشنطن سابقًا. فالتغيرات الحالية على الأرض تُظهر أن قدرة الولايات المتحدة على التأثير في السودان تراجعت بشكل كبير نتيجة لفشل استراتيجية التدخل غير المباشر واستمرار الخلافات داخل واشنطن. ومع ذلك، يملك بيتر لورد خبرة دبلوماسية يمكن أن تمنحه فرصة لإحداث تغيير، شرط أن يتبنى نهجًا جديدًا يتناسب مع المستجدات الحالية.
*_التوقعات المستقبلية: هل يمكن تحقيق اختراق_* ؟
* على الصعيد الداخلي: إذا استمر تقدم الجيش السوداني، سيزداد موقف السودان قوة، مما يحد من أي ضغوط خارجية.
* على الصعيد الإقليمي: تضاؤل النفوذ الإماراتي قد يعيد ترتيب الأولويات الإقليمية، مع احتمالية بحث واشنطن عن شركاء جدد في المنطقة.
* على الصعيد الدولي: تنامي العلاقات السودانية مع روسيا والصين يضعف من قدرة الولايات المتحدة على احتكار التأثير في الملف السوداني.
*_خلاصة القول ومنتهاه_*
* يعكس تعيين بيتر لورد محاولة أمريكية جديدة للتعامل مع الملف السوداني، لكن الواقع الحالي يشير إلى أن التحولات السودانية والدولية تفرض تحديات أكبر على واشنطن. نجاح أو فشل المبعوث الجديد يعتمد بشكل كبير على مدى استيعابه للمستجدات وتحوله من النهج التقليدي إلى تبني رؤية أكثر توافقًا مع الحقائق على الأرض.
* في النهاية، يظل السودان في موقع يتيح له إدارة ملفاته بمرونة واستقلالية متزايدة، معززًا بمكتسباته الداخلية وتنامي خياراته الدولية.