أحرف حرة – ابتسام الشيخ – الفيتو الروسي بين الإرتياح والسؤال المربك ( ١_٢ )
أحرف حرة
ابتسام الشيخ
الفيتو الروسي بين الإرتياح والسؤال المربك
( ١_٢ )
أمسية الفيتو الروسي كان وزير الخارجية في ضيافة الأستاذ جمال عنقرة ضمن نفر من الدبلوماسيين والسياسين والإعلاميين وأهل الطرب الجميل ، في جلسة نظمها الأمير عنقرة في منزله إحتفاء بصديقه الدكتور علي يوسف الشريف ،
الفيتو الروسي كان مبعث ارتياح جميع الحضور وعبر عن ذلك وزير الخارجية في إحدى قفشاته بعبارة ( اليوم انتو مبسوطين جدا ماخدين فيتو ) ،
وصبيحة الفيتو الروسي كان رئيس مجلس السيادة قد خاطب فاتحة أعمال المؤتمر الاقتصادي لمجابهة تحديات الحرب بخطاب قوي متماسك ومتوازن ،
و رغم شكره لدولة روسيا العظمى إلا أن حديثه عن موقفها الأخير تجاه السودان كان يحتاج في رأيً إلى تفخيم يتناسب ومافعلته ،
مافعلته روسيا بموقفها القوي تجاه السودان أعتبره موقفا تأريخيا نادرا ، يضع حكومتنا في موقف كيف تحافظ عليه ،
إهتماما كبيرا وجده الموقف الروسي ، وبمثل ما بعث الفيتو الروسي الارتياح لدى السودانيين ربما يبعث القلق ويثير بعض التساؤلات اذا ما قرأناه مقرونا بعدد من المعطيات ،
فبعد تفكيك الإتحاد السوفيتي إستطاع الأمريكان شطب ثنائية القطبين وقلبها إلى أحادية ، وأصبحت أمريكا تقود العالم إلى وقت قريب ،
لكن تظل روسيا دولة عظمى ومؤثرة ، ثاني أقوى دولة في العالم ، من حيث آلة الحرب ، من حيث الاقتصاد والخبرات المتراكمة ، من حيث القدرة على أن تفعل شيئ يُهز العالم ،
كون أن روسيا تقف مع السودان وبهذه القوة في تقديري الفرصة التي أعطتنا لها أكبر من إحتمالنا ،
روسيا لم تغازلنا بل وضعت على أعناقنا دينا أكبر من مقدرتنا ،
روسيا كان من الممكن أن تقف مع السودان في مواقف كثيرة سابقة لكنها لم تفعل فلماذا الآن !؟
نذهب في قرائتنا لموقف روسيا إلى أنها تنظر إلى أفريقيا من خلال السودان ،
روسيا استطاعت أن تتغلغل الى وسط وغرب أفريقيا وأن تحدث ربكة كبيرة جدا في مالي ، النيجر وبوركينا فاسو خصما على الفرنسيين والأمريكان ، ما يعتبر تمددا في قارة كانت حكرا على الأمريكان والأوربيين ،
دخول روسيا إلى تلك الدول أربك الإتحاد الأفريقي ومنظمة الإيكواس التي تمثلها خمسة عشر دولة في غرب أفريقيا ، لجهة أن تلك الدول الثلاث قد خرجت عن طاعة الإتحاد الأفريقي ، وبالتالي فكت الارتباط بينها وبين أوربا الفرنسية وإتجهت حيال روسيا ،
وهذا الإمر ربما شكل دافعا لروسيا لمواصلة أطماعها في أفريقيا ،
روسيا الآن يقال إنها تهدد تشاد ويقال ( تحت – تحت ) إنها تدعم زغاوة تشاد و الجماعات التي تقف ضد محمد كاكا ، و أعتقد أن هذا هو سبب إنسحاب فرنسا من الدعم السريع أو على الأقل تقليل دعمها له ،
فرنسا ربما وجدت نفسها في ورطة بأن ولوغ كاكا في شأننا السوداني أنشأ مجموعات ضده من الممكن أن تغير حكومته ، وإن تغيرت الحكومة فلن تجد فرنسا ذات الكاكا ، بل ربما تفقد تشاد ، ما يعني فقدها لرابع دولة خلال عامين ، ولن يبقى لها سوى توغو وبنين الدولتين التين ترسل لهما صفائح الجبن ،
وبهذه القراءة فإنه سواء النيجر أو مالي ، بوركينا فاسو أو تشاد نفسها في مقابل السودان تعتبر دول جرذان في مقابل مارد عملاق بنفوذه وتأثيره وقدرته ، بالتالي يعتبر السودان كسب كبير جدا لروسيا ،
وحال وصلت روسيا لتفاهمات إستراتيجية عميقة فهذا من شأنه أن يقطع الطريق أمام التمدد الفرنسي في غرب السودان والذي يمضي لفصل دارفور ،
السؤال الذي ربما يربك المشهد هل السودان مستعد لتحمل الدين الذي وضعته روسيا في عنقه ؟ وهل هو قادر على إنتاج قدرة على إدراك هذا الدين ومن خلاله يمكن أن يصنع خطة إستراتيجية لإستثمار هذا الموقف الروسي ؟؟.
نواصل