تغيير إدارات الجهاز القومي للرقابة على التأمين.. هل ينهي الفساد؟! (3)
تغيير إدارات الجهاز القومي للرقابة على التأمين..هل ينهي الفساد؟! (٣) – المحامي /خالد عوض عبدالله
وبعد أن تسلمت الإدارة الجديدة زمام الأمور بالجهاز القومي للرقابة على التأمين وذلك بموجب قرار مجلس الوزراء بالرقم ٢٠٢٤/١٠٧ والذي قضى بتعين مجلس إدارة جديد للجهاز وكان قبلها قد أصدر قرارا بإقالة وتعيين أمينا عاما جديدا للجهاز، فقد استوت الإدارة الجديدة على جودي الجهاز ومن ثم تعين عليها أن تقوم بدورها المناط بها وفقا لنصوص القانون وما يمليه عليها الضمير والحس الديني والأخلاقي والإنساني وذلك بالمحافظة على المال العام وتحقيق الأهداف السامية الواردة في نص المادة (٤) من قانون الرقابة والإشراف على التأمين والقيام بكل ما يمكن أن يؤدي إلى تطور وازدهار صناعة التأمين في السودان .
أمانة التكليف
وعليه فلن يكون مقالنا هذه المرة بمثابة النصح والنصيحة كما كان الحال في المقالين السابقين ،إنما سيكون مطالبة بل ومطالبة واجبة التنفيذ والأداء وذلك لسببين ،أولهما أن أمانة التكليف التي ارتضى أن يتحملها من ورد ذكرهم في قرار مجلس الوزراء المشار إليه أعلاه تقتضي وتستوجب ذلك ،وثانيهما أن الأمر هذه المرة متعلق بالمال العام والمحافظة عليه بنص القانون ومن قبله النصوص الشرعية والمبادئ الأخلاقية والإنسانية هو واجب الكافة دعك ممن يأخذ على ذلك أجر. وسيكون محور وموضوع هذا المقال هو مال الجهاز القومي للرقابة على التأمين الذي شهد في فترة الإدارة السابقة أحداث لم يشهدها الجهاز من منذ تأسيسه، بل منذ أن كان هيئة صغيرة تتبع لوزارة المالية، حيث وصل الأمر بإدارة الجهاز السابقة أن تم توجيه الإتهام لها بخيانة الأمانة وتبديد الاموال العامة اكثر من مرة امام الأجهزة العدلية (نيابة ومحكمة مكافحة الفساد وجرائم المال العام)، واضحت سمعة الجهاز على المحك بعد أن أضحت مادة شبهة يومية بأجهزة الإعلام المختلفة المرئية منها والمقروءة .
قطاع التأمين على وشك الانهيار
وقد سعينا بقدر استطاعتنا وبحكم مهنتنا وقربنا من قطاع التأمين لفترة قاربت على ربع قرن أن نبصر الرأي العام بما يحدث بالجهاز القومي للرقابة على التأمين في تلك الحقبة التي أسأل الله العلي القدير أن لا يتعرض لها الجهاز مرة أخرى وأن تستقيم أموره حتى يسهم في تطوير التأمين في السودان والمحافظة على امواله ومكتسباته، فالتأمين عندما بدأ في السودان لم تكن العديد من دول المحيط العربي والافريقي قد ولدت سياسياً واقتصاديا. ولكن لو قارنا ما وصل اليه الآن موضوع التأمين وما صار إليه حالنا الآن لن نجد معيارا للمقارنة، فحال التأمين لدينا اليوم يوشك على الإنهيار بسبب التخبط في السياسات وعشوائية الإدارة وفوضى القرارات واستباحة المال العام دون وازع ديني أو أخلاقي أو قانوني. كما سعينا متوكلين على الله، وبمعاونة الأجهزة العدلية خاصة نيابة مكافحة الفساد أن نسترد بعضا من ذلك المال الذي أهدر وبدد ،وكدنا أن نسترد الشطر الآخر منه مما صرف في غير محله ،ولكن إرادة الله التي لا شك ان لها حكمة في ذلك وبسبب هذه الحرب اللعينة تأجل ذلك من الوقت الذي خططنا له لاسترداده لوقت سوف يأتي أن شاءالله عاجلا ام اجلا فيقيننا انه لن يضيع حق وراءه مطالب. *استرداد 300 مليون
وربما أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون قدر ومصير الإدارة الجديدة متمثلة في مجلس الإدارة والأمين العام أن تقوم بهذه المهمة وهذا الدور وهو استرداد ما تبقى من هذه الأموال لخزينة الدولة مرة أخرى وأنها ليست بالمبالغ اليسيرة فقد تجاوزت الثلاثمائة مليون جنيه وهذا المبلغ ليس كل ما تم تبديده إنما هو حدود معرفتنا التي علمنا بها عبر التقارير المثبتة والموثقة التي صدرت عبر تقارير لجان ديوان المراجعة القومي والتي أعدتها بإيعاذ من نيابة مكافحة الفساد والتي سنفصلها بين ثنايا هذا المقال أخبارا واعلاما وتبصيرا للرأى العام اولا وحثا ومطالبة للإدارة الجديدة في أخذ الخطوات الجادة لاسترداد تلك الأموال :- أول هذه الأموال التي تم تبديدها وتعاملت معاها الإدارة السابقة بتساهل متعمد لشئ في نفس يعقوب هي الأموال التي منحت لوزارة المالية كوديعة استثمارية و التي سحبت من أموال صندوق ضمان حاملي وثائق التأمين والبالغ قدرها (٩٠,٠٠٠,٠٠٠) بنسبة ارباح قدرها ١٥% والتي وردت في تقرير ديوان المراجعة القومي والتي تسلمتها وزارة المالية منذ عام ٢٠٢٠ ولم يسترد الجهاز اصل المبلغ أو ارباحه حتى كتابة هذا المقال ، ومن المعلوم قانونا أن أموال صندوق ضمان حاملي وثائق التأمين هي أموال عامة وفقا للتعريفات الواردة في نصوص قانون المعاملات المدنية المادة(٢٧) وقانون ديوان المراجعة القومي المادة (٣) بالإضافة للمادتين (٩٦/٨٧) من قانون الرقابة والإشراف على التأمين وقد أباح القانون استثمار أموال الصندوق ولكنه اشترط أن يكون الاستثمار قصير الأجل وذلك وفقا لنص المادة (٩٠/ح) من قانون الرقابة والإشراف على التأمين وهذا التشديد من المشرع هو المحافظة على هذه الأموال حتى لا تتفرق هذه الأموال في استثمارات طويلة أو متوسطة الأجل فيصعب جمعها مرة أخرى فتأتي الحاجة لتلك الأموال لسد عجز شركة تأمين ما تكون قد عجزت عن الايفاء بسداد مطالباتها فلا توجد تلك الأموال بسبب الاستثمار لذا حرص المشرع أن يكون الاستثمار في نطاق ضيق جدا ، ولكن الممارسة العملية للإدارة السابقة المتمثلة في الامين العام والذي كان يتولى أمر الصندوق منفردا بتفويض من وزير المالية السابق حيث كان يقوم بمهام مجلس أمناء الصندوق لأكثر من أربعة أعوام.
كان للأمين العام السابق رأى غير رأى المشرع وفوق القانون فقد قام ومنذ عام ٢٠٢٠ بتسليم وزارة المالية ذلك المبلغ ولم نسمع عنه حتى الان شيئا.ولم يجد ديوان المراجعة القومي اي مكاتبات أو مطالبات من الجهاز لوزارة المالية باسترداد هذا المبلغ بارباحه ليكشف هذا التصرف وهذا السلوك مدى التراخي والتساهل في المحافظة على أموال الجهاز من الامين العام السابق والذي ادعى زورا وبهتانا في استقالته المزعومة حرصه على تطبيق القانون والمحافظة على مصالح وأموال الجهاز .
ومن هنا نطالب وبالصوت العالي الإدارة الجديدة الشروع فورا في رفع مطالبتها المستعجلة لرد هذا المبلغ لحسابات الصندوق وكافة الأرباح لفترة الأربعة سنوات الماضية ، ونحن من جانبنا سنتابع هذا الأمر لاسترداد اخر مليم فيه . ثانيا: أما الأمر الثاني فهي الأموال التي تبرع بها الامين العام من حساب صندوق ضمان حاملي وثائق التأمين للجيش في عام ٢٠٢١ والتي بموجبها وجهت نيابة مكافحة الفساد ومحكمة مكافحة الفساد تهم خيانة الأمانة وتبديد المال العام وكاد أن يصل الأمر لمنتهاه برد المبلغ وإدانة الأمين العام لولا قيام الحرب ، وقد مثل رئيس مجلس إدارة الجهاز الجديد أمام المحكمة كشاهد ومثل معه أحد أعضاء الهيئة العليا الشرعية وادلوا بشهادتهم في الأمر . عليه نطالب أيضا الإدارة الجديدة بتحريك الأمر امام المحكمة مرة أخرى واسترداد هذا المبلغ والمقدر ب (٥,٠٠٠,٠٠٠)جنيه. ثالثا: كذلك من الأموال التي تم تبديدها وصرفها دون وجه حق بل ومثل هذا المبلغ الذي صرف اكبر مبلغ يصرف كحافز أداء في تاريخ الجهاز والهيئة منذ تأسيسهما على الإطلاق وهو مبلغ قارب مبلغ المئتي مليون جنيه كان نصيب الامين العام وحده ما يقارب الخمسة عشرة مليون جنية ، وبناء على التقرير الصادر من ديوان المراجعة القومي فإن هذا الحافز غير شرعي وغير قانوني من عدة وجوه من بينها أن الشخص الذي صدق الحافز لا يملك سلطة تصديقه بالإضافة إلى أنه لا يوجد اصلا مخصص للحافز وثالثا أن الحافز صدق وصرف قبل قفل الميزانية واخيرا وليس اخرا أن الحافز جاوز نسبة ال٥٢% في الوقت من المفترض أن لا يتجاوز الحافز نسبة ال٥% من فائض الميزانية !!! هذا بالضبط ما جاء بتقرير المراجع القومي والذي أوصى برد المبلغ ، وقد قامت نيابة مكافحة الفساد بتحريك إجراءات جنائية في هذا الأمر إلا أن الحرب أيضا لم تسعف النيابة من رد المبلغ لتكون هذه اول مهام الإدارة الجديدة في هذا الصدد.
رابعا : أيضا هناك مبالغ ضخمة لم يكشف عن قيمتها أودعت من قبل الامين العام السابق في محفظة دعم الصادرات الزراعية والتي قدم مقترحها بنفسه للسيد وزير المالية والسيد محافظ بنك السودان علما أن وقت إيداعها لم يكن هناك مجلس إدارة للجهاز يمكنه اتخاذ القرار المناسب في مسألة مشاركة الجهاز في هذه المحفظة علما بأن هناك مؤسسة حكومية منشأة بموجب قانون وبكامل هيكلها الادارى والتنفيذى تعمل في نفس الغرض هي الوكالة الوطنية لتمويل وتأمين الصادرات مما يثير الشكوك في مشروعية هذه المحفظة ومشروعية تبني الجهاز ومساهمتة فيها بتلك المبالغ المهولة التي لم يعرف حتى هذه اللحظة مصيرها وعائداتها وارباحها وما إلى ذلك مما يشكل في ظني ، أيضا أحد التحديات التي تنتظر الإدارة الجديدة من فك طلاسمها وإعادة الأموال كاملة غير منقوصة لحسابات الجهاز ومحاسبة كل من امتدت يده عبثا بهذه الأموال.
مخالفات مالية وقانونية
اخيرا وليس اخرا ويقيني الذي لا يعتريه الشك أن ما اوردناه اعلاه من مخالفات مالية وقانونية شكلت علامة فارقة في تاريخ الجهاز لكن كل ذلك لا يمثل إلا جبل الجليد من مخالفات وعبث وفوضى اعترت الجهاز لحقبة مظلمة من حقب العملية التامينية في السودان كانت السبب الرئيس في إعاقة نموه وتطوره . ولكن العشم والرجاء يظل منعقدا في الإدارة الجديدة في إصلاح ما اعوج من مسار وتصحيح الأخطاء الكارثية التي ألمت به. ووضع الجهاز على الطريق الصحيح لتدارك ما فات والإسهام في تحديث وتطوير العملية التامينية في السودان .
نسأل الله الاعانة والتوفيق.