همس الحروف – «العدالة أولاً» لا للانتقام في زمن الانتصار – د. الباقر عبد القيوم علي
همس الحروف
«العدالة أولاً» لا للانتقام في زمن الانتصار
د. الباقر عبد القيوم علي
في ظل الأحداث الحالية والفرحة التي يتشاركها جميع أفراد الشعب السوداني بتحقيق الانتصارات التي أثلجت صدور كل الناس ، باستعادة بعض المناطق ، و التي كانت ضربة بدايتها من سنجة ثم مدني و الجيش يتقدم محرراً كل شبر دنسته المليشيا ، ففي مثل هذه الظروف من الواجب علينا ألا نسمح لأنفسنا بأن نُفسد فرحتنا بممارسات قد تسيء إلى سمعتنا وتتنافى مع مبادئ العدالة واحترام الإنسانية ، صحيح لن يستطع أحد من الناس أن يمحو من ذاكرته الصور الذهنية المرعبة التي إرتكبتها المليشيا في حقنا و نحن شعب أعزل ، من جرائم ما يعجز اللسان عن وصفها ، و لكن لا بد لنا من التذكير بمبادئنا الدينية و الإنسانية التي تحكم سلوكنا العام في مثل هذه الظروف العصيبة ، فإن المسلم لا يليق به أن يرد الإساءة بالإساءة ، ولا يحق له أن يمارس أساليب الانتقام التي تلوث الضمير و تخالف قيم الإنسانية .
نرجو من الجيش و من كل الذين يقاتلون بإسمه أن يعلموا يقيناً بأن جيشنا جيش إحترافي ، و مهني ، و عزيز ، و يحترم قواعد الإشتباك و حقوق الإنسان ، و يجب أن يتذكروا و هم يحققون الإنتصار تلو الإنتصار ، أن الذي يتم القبض عليه من الأعداء حياً ، ينبغي أن يكون في الأسر ، وألا يطاله القتل الوحشي أو التشفي بغرض الإنتقام . نحن نمتلك جيشاً مهنياً ، و لهذا يجب أن يعلم الجنود في الميدان أن الإنتصار لا يتوقف على القوة العسكرية فقط ، بل على أخلاقنا ومبادئنا ، صحيح أن ما فعلته المليشيا لا يمكن لأحد أن ينساه ، ولكن ديننا وأخلاقنا يمنعاننا من أن نكون مثلهم في سلوكهم الوحشي .
صحيح ان قلوب جميع أفراد الشعب يملؤها تجاه أعدائنا ، الذين نكلوا بنا قتلا و سحلاً و إغتصاباً و تهجير قسري ، و لكن الانتقام ليس هو الحل ، وإنما هو حافز لمزيد من الكراهية و الدمار ، و العفو والرحمة هما السبيلان إلى تحقيق العدالة وإعادة بناء الثقة بين أبناء الشعب الواحد ، ونحن اليوم ، أكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى أن نُظهر للعالم أننا لا نرد على الوحشية بالوحشية ، بل نرد على التدمير بالبناء، وعلى العنف بالرحمة .
إن ما جرى من توثيق لمشاهد تشفٍ وابتذال في تعامل بعض عناصر الجيش مع الأعداء يعد تصرفاً غير لائقاً بالإنسان ، و يرفض ذلك العقل السليم و الفطرة الإنسانية القويمة ، إننا نعلم تماماً أن الجيش السوداني يمتلك من الاحترافية والمهنية ما يميزه كجيش محترم بين جيوش العالم ، لكن ما حدث من تصرفات بعض الأفراد سيترك آثاراً سلبيةً على صورة الجيش أمام المجتمع الدولي .
و إن هذا النوع من السلوك لا ينسجم مع قيمنا الدينية و الإنسانية التي ترفض التشفي والتعذيب بأي شكل كان ، و مهما كانت المبررات ، و لماذا يتم توثيق هذه المشاهد .. أليس هذا السؤال يفرض نفسه ؟ ، إن المشاهد التي تم توثيقها ، و بثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ستؤثر سلباً على صورة الوطن و الجيش معاً و سينعكس ذلك علينا كشعب ، و ون هذا السلوك المنحرف قد يدفع المجتمع الدولي إلى التشكك في نوايانا و مدى التزامنا بالقوانين الدولية لحقوق الإنسان ، و قد تؤلب علينا المنظمات الدولية التي تراقب الانتهاكات الإنسانية .
إننا بحاجة ماسة إلى أن نكون قدوة للعالم أجمع في الالتزام بالقيم الإنسانية ، وأن نعمل على إزالة التشوهات في الممارسة ، و ألا نكرر حرفياً التصرفات الوحشية التي إرتكبتها المليشيا في السابق ضدنا ، و لذا من الواجب علينا الإلتزام بالمعايير الأخلاقية ، يجب أن نُظهر للعالم أننا جيش محترف ، ملتزم بماديء ديننا الحنيف ، و بالقوانين المحلية و الدولية ، و نؤكد للعالم بأننا نسعى إلى تحقيق السلام و الاستقرار ، و يجب ألا نُثير تساؤلات حول سلوكنا بتصرفات بعض الأفراد السلبية .
من الضروري أن تقوم القيادة العسكرية بتوضيح هذا الموقف بشكل علني ، وأن تتخذ خطوات عملية لحماية سمعة الجيش و ضمان محاسبة من يتجاوز الحدود الأخلاقية. إننا بحاجة إلى العودة إلى المبادئ التي نؤمن بها والتي تجعلنا في مقدمة الأمم التي تسعى لتحقيق العدالة والسلام .
و الله من وراء القصد