مقالات الرأي

وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي – استراتيجية السودان في التعامل مع القاعدة الروسية

وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي – استراتيجية السودان في التعامل مع القاعدة الروسية

في ظل التحديات المتزايدة التي تواجهها بلادنا ، تتطلب الظروف الراهنة اتخاذ قرارات استراتيجية جريئة من القيادة السودانية في ظل الحرب المستمرة والمهددات الإقليمية والدولية التي تفرض على بلادنا إعادة النظر في علاقاتها الخارجية . في هذا السياق قد تُمثل القاعدة الروسية المحتملة على ساحل البحر الأحمر خطوة حاسمة نحو تعزيز الأمن القومي السوداني. في هذا المقال نحاول مناقشة الموضوع بكل أبعاده علي خلفية تصريح سفير السودان في روسيا منتصف الاسبوع الماضي عن أن السودان لم برفض إقامة قاعدة بحرية روسية وأن السودان يدرس الأمر في ظل تطور العلاقات مع روسيا .

من المهم النظر إلى مصلحة السودان في إقامة هذه القاعدة في السياق الأمني والجغرافي والمهددات التي تحيط بالبلاد . منذ اندلاع الحرب التي كشفت عن مؤامر دولية كبري كانت تحاك ضد السودان لتفتيت وحدته الداخلية لذلك أصبحت الخرطوم الآن في حاجة ماسة إلى دعم عسكري قوي لمواجهة التهديدات المتزايدة من مليشيا الدعم السريع وداعميها المحلين و الإقليميين . وفي ظل ضعف اقتصاد الدولة و نقص الإمكانيات العسكرية ، يُعد التعاون مع روسيا خيارًا استراتيجيًا دون أي حسابات سوي المحافظة علي الدولة السودانية . كما نعلم أن القاعدة العسكرية الروسية يمكن أن تقدم الدعم الجوي من خلال تحديث الطائرات السودانية المقاتلة و المسيرات المتطورة ، بالإضافة إلى تزويد السودان بأسلحة متقدمة و معلومات استخباراتية حيوية عبر الأقمار الصناعية الروسية .

بجانب تبادل المعلومات الاستراتيجية عن مليشيا الدعم السريع التي رعتها ودربتها فاغنر في فترةَ سابقة ، هذه القدرات تعتبر حاسمة في دعم السودان لمواجهة التهديدات الداخلية ، كما أن التعاون العسكري مع روسيا قد يعزز القدرات الدفاعية السودانية في التصدي للمخاطر الخارجية ، سواء كانت مرتبطة بـالتهديدات الإقليمية أو التدخلات الدولية . كذلك من المعلوم أن البحر الأحمر هو أحد أكثر الممرات البحرية استراتيجية في العالم ، حيث يربط بين المحيط الهندي و البحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس . يُمثل هذا الممر الشريان الحيوي للتجارة الدولية لكنه أصبح أيضًا نقطة محورية للتنافس بين القوى الكبرى ، من بينها الولايات المتحدة و روسيا . لذلك وجود قاعدة روسية على ساحل البحر الأحمر لا يعزز فقط من القدرات الدفاعية السودانية ، بل يعكس أيضًا تحولًا في الدور الاستراتيجي للسودان في المنطقة . إن استضافة القاعدة الروسية يُمكن أن تحول السودان إلى نقطة ارتكاز في توازن القوى في البحر الأحمر ، مما يعزز من استقلاليته الاستراتيجية في مواجهة القوى الكبرى .

هذه القاعدة يمكن أن تكون أيضًا في خدمة الاستقرار الإقليمي ، لا سيما في مكافحة القرصنة و الإرهاب الدولي ، وهي تهديدات تؤثر على جميع الدول المطلة على البحر الأحمر . هذا بالنظر الي العلاقات المتطورة بين السودان وروسيا والتي تتسم بـالتعاون والمرونة ، حيث تشهد هذه الفترة تقاربًا دبلوماسيا وسياسيا جيدا بالنظر الي استخدام روسيا مؤخرا حق النقض “الفيتو” لمناصرة السودان في مجلس الأمن وتفويت الفرصة علي الانتقاص من سيادته . كذلك هناك تعاونا اقتصاديًا برز خلال الفترة الماضية من خلال تبادل الزيارات بين الجانبين . عليه و في ظل الضغوط الغربية المستمرة على السودان ، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية المزمنة والمطالبات بتحقيق الانتقال الديمقراطي وفقا للرؤية الغربية ، يعد التعاون مع روسيا بمثابة خيار استراتيجي للسودان للحفاظ على استقلاله وسيادته .

لذلك يجب النظر إلى أن موافقة روسيا على تقديم الدعم العسكري والتقني في إطار القاعدة البحرية ليست مجرد علاقة قائمة على المصالح الأمنية ، بل هي شراكة طويلة الأمد يمكن أن تُبنى على مصالح جيوسياسية واقتصادية . بالنظر إلى موارد السودان الاقتصادية ، في الوقت الذي يعاني فيه السودان من عزلة غربية ، تُمثل روسيا فرصة للشراكة الاستراتيجية في مجالات التسليح والطاقة والبنية التحتية، لا سيما في اليوم التالي من الحرب . هذه الخطوة ربما تواجه بعض الصعوبات لكن تظل قرارا سياديا مهما لا يخضع للابتزاز أو التأثير بالنظر إلى المواقف الدولية من القاعدة الروسية ، لا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اللذان يسعيان دائمًا إلى تقليص نفوذ روسيا في المناطق الاستراتيجية .

لذلك في هذا الإطار ، يُحتمل أن تتزايد الضغوط الغربية على السودان لتجنب منح روسيا قاعدة عسكرية في البحر الأحمر . هذه الضغوط يمكن أن تتخذ شكل عقوبات إضافية أو حملات سياسية تهدف إلى عزل السودان عن شركائه المحتملين . لذلك يجب علي بلادنا أن تدرك أن الحفاظ على استقلالها وسيادتها في هذه المرحلة يتطلب التعاون مع شركاء جدد بعيدًا عن الهيمنة الغربية . وبالتالي فإن القاعدة الروسية لا تمثل مجرد خيارا عسكريا ، بل هي جزء من استراتيجية أكبر للتأكيد على الاستقلالية والتحرر من القيود التي فرضتها العقوبات الغربية على البلاد . عليه و من خلال النظر في جميع العوامل السابقة ، تتضح مصلحة السودان في التعاون مع روسيا وتوفير قاعدة بحرية علي ساحل البحر الأحمر أو نقطة امداد أو صيانة بصرف النظر عن المسميات إلا أن أمرها بات مهما في الوقت الذي تواجه فيه بلادنا أزمات داخلية وخارجية معقدة تهدد وجود الدولة نفسها ، عليه تُعتبر القاعدة الروسية فرصة لتوفير حماية عسكرية قوية في مواجهة التهديدات الداخلية والإقليمية .

لذلك وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة فإن القاعدة العسكرية الروسية في البحر الأحمر ليست مجرد قاعدة بحرية ، بل هي مفتاح استراتيجية أمنية و مصلحة قومية للسودان ، حيث تُمكّنه من مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية ، وتعزيز استقرار الدولة . رغم المخاطر المحتملة من الضغوط الغربية ، يبقى أن القرار السوداني في دعم هذه القاعدة مهم حيث انه يُمثل خيارًا استراتيجيًا حيويًا لضمان الاستقلالية و الأمن القومي في مرحلة حرجة من تاريخ السودان .
دمتم بخير وعافية .
الأحد 29 ديسمبر 2024 م. Shglawi55@gmail.com

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى