قراءة في الهجوم على مقر السفير الإماراتي بالخرطوم
نبض السودان _ رماز علي ريري
في ظل التوترات المتصاعدة في السودان نتيجة الصراع العسكري المستمر، جاءت الحادثة الأخيرة التي شهدتها العاصمة الخرطوم لتثير جدلاً واسعاً على الساحة الدبلوماسية. فقد أعلن سعادة سالم سعيد غافان الجابري، مساعد وزير الخارجية الإماراتي للشؤون الأمنية والعسكرية، عن تعرض مقر رئيس بعثة دولة الإمارات في الخرطوم لقصف من قبل الجيش السوداني. هذا القصف، بحسب الجابري، أسفر عن أضرار جسيمة في المبنى والمرافق المحيطة به، في خرق واضح للأعراف الدبلوماسية والاتفاقيات الدولية.
استهداف المباني الدبلوماسية وانعكاساته القانونية
يعد هذا الهجوم خرقاً صارخاً لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، التي تحمي حصانة المباني الدبلوماسية وتلزم الدول المضيفة بضمان سلامتها. أي هجوم على مقر بعثة دبلوماسية يعتبر تصعيداً خطيراً في النزاع، ويعرض العلاقات الدبلوماسية بين البلدين للخطر. ويزيد من تعقيد الأمور أن هذه الحادثة تأتي في وقت يتطلب فيه الصراع السوداني تدخلاً دولياً لحله بالطرق السلمية.
سالم الجابري أوضح بجلاء أن دولة الإمارات تملك صوراً وأدلة دامغة تثبت تورط الجيش السوداني في هذا الهجوم. هذه الأدلة تفند الرواية الرسمية الصادرة عن وزارة الخارجية السودانية والقوات المسلحة، التي نفت أي استهداف للمبنى، واعتبرت أن ما تم تداوله غير دقيق ويهدف لتشويه صورة السودان أمام المجتمع الدولي. لكن هذه الأدلة التي تشير إليها الإمارات تشكل تحدياً كبيراً للسودان، حيث تعزز من الدعوات لمحاسبة الأطراف المسؤولة عن هذه الانتهاكات.
محاولات السودان للتهرب من المسؤولية
في هذا السياق، يرى الكثيرون أن التصريحات السودانية بشأن سلامة مبنى البعثة الإماراتية تأتي في إطار محاولات للتنصل من المسؤولية عن هذه الحادثة. الحكومة السودانية والجيش، بحسب الجابري، يسعيان إلى تضليل المجتمع الدولي والتهرب من مسؤولياتهما القانونية والأخلاقية تجاه الأضرار الناجمة عن النزاع، وخاصة تلك التي تطال الممتلكات الدبلوماسية. هذه الاتهامات الخطيرة تعكس جانباً من التوترات بين الأطراف المتنازعة، وتشير إلى مدى تعقيد الصراع في السودان الذي يعاني من تبعات كارثية على الصعيدين الإنساني والسياسي.
كما تأتي هذه الحادثة في وقت يستمر فيه الصراع في السودان، مما يزيد من تعقيد الوضع ويعمق من معاناة المدنيين. السودان يشهد نزاعاً متعدد الأوجه، يتداخل فيه العوامل السياسية والعسكرية، وهو ما يجعل الحل السلمي لهذا الصراع أمراً بالغ الصعوبة. ومع ذلك، تعمل دولة الإمارات بشكل مكثف مع شركائها الدوليين على وضع حد لهذا النزاع من خلال الوساطات والجهود الدبلوماسية.
ردود الفعل الشعبية والإعلامية
لم يتأخر التفاعل الشعبي والإعلامي حيال هذا التصعيد. فور تصريح الجابري حول امتلاك الإمارات أدلة تثبت استهداف المقر الدبلوماسي، انطلقت موجة من التساؤلات والبحث على مواقع التواصل الاجتماعي عن تلك الأدلة. وقد شهدت الساعات التالية نشر مقاطع فيديو وصور على منصة “السودان حديثاً” على الفيسبوك، حيث تم توثيق الأضرار التي لحقت بالمبنى، ما يتناقض مع التصريحات الرسمية السودانية التي زعمت أن المبنى لم يتعرض لأي أذى.
هذا الفيديو، الذي ظهر بعد ساعات قليلة من التصريحات الإماراتية، قدم دليلاً على وقوع اشتباكات عنيفة حول المبنى، ما يعزز من مصداقية الرواية الإماراتية ويزيد من الضغط على السودان لتقديم تفسير مقنع لهذه الأحداث. ويعتبر هذا التطور بمثابة نقطة تحول في الأزمة، حيث كشف عن مدى التباين في الروايات التي تقدمها الأطراف المختلفة حول ما يجري على الأرض.
دور الإمارات في إنهاء النزاع السوداني
منذ اندلاع النزاع في السودان، لعبت دولة الإمارات دوراً بارزاً في السعي لتحقيق الاستقرار في المنطقة. إذ بذلت جهوداً دبلوماسية حثيثة مع الشركاء الدوليين لإيجاد حل سلمي ينهي معاناة الشعب السوداني. هذه الحادثة، رغم خطورتها، لم تثنِ الإمارات عن التزامها بمواصلة العمل على إنهاء النزاع. الجابري أكد في تصريحه أن الإمارات ستظل ملتزمة بالعمل من أجل تحقيق الاستقرار في السودان، بالتعاون مع المجتمع الدولي.
الخلاصة أن استهداف المقر الدبلوماسي الإماراتي في الخرطوم يشكل حلقة جديدة في سلسلة التوترات التي يعاني منها السودان. وبينما تتواصل الجهود الدولية لإنهاء الصراع، يبدو أن الحادثة تزيد من تعقيد المشهد، وتفرض تحديات جديدة على العلاقات بين السودان ودولة الإمارات، وعلى الصعيد الدولي بشكل أوسع.