همس الحروف.. كفاية فساد .. فقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى
بقلم د. الباقر عبد القيوم علي
قبل عدة أيام كتبت مقالاً عن إنحراف سلوك بعض منتسبي القوات النظامية ، و هذا أمر شائع و معلوم للجميع ، و يحدث في أمكان كثيرة أمام مرأى و مسمع الناس ، و بدأ هذا السلوك يتسلل إلى بعض الارتكازات المنتشرة ، و لقد تعرضت لذكر بعض الحوادث ، مما حدا بالبعض من إنتقادي لنظرتهم للموضوع من زواية صفرية ، فلابد أن يعي الناس أن النقد البناء و فضح المخذلين أمر واجب و لا مجال فيه للمجاملة أبدا .
و من المهم أن نتفهم أن النقد البناء هو جزء أساسي من أي تطور أو تحسين في الأداء ، فعندما يتم تسليط الضوء على السلوك المنحرف أو الأخطاء ، فإن الهدف من ذلك هو تعزيز قيم المساءلة و الشفافية ، و ليس المقصود من ذلك الهدم أو التحامل .
و يجب على الناس أن يدركوا أن معالجة القضايا بشكل مباشر و مكاشفتها مهم للغاية و خاصة في مثل هذه السياقات الحساسة ، مما يعكس مدى الالتزام بالمسؤولية العامة ، و الإلتزام بالمعايير التي تؤدي إلى تحقيق الأفضل ، وهذا الأمر يتطلب الشجاعة في مواجهة المخذلين و الفاسدين في وسطنا ، و من الواجب علينا تقديم المشورة التي تساعد على التقدم ، فلا مجال للسكوت عن الأخطاء ، أما بخصوص ما حدث في مدينة مروي ، فأنني تواصلت مع هرم الجهة المسؤولية مباشرة ، و كان ذلك عدة مرات ، إلا أنها عمدت في إهمال تواصلي بها ، فكان لابد من محاصرة ذلك الفساد الذي تم في دوائر مغلقة بعيداً عن أعين الرقابة و فضحه حتى يتمكن ولاة الأمر من وأده في مهده ، و هذا الأمر كان يتطلب الجرأة في فضح هذه السلبيات التي لا تشبهنا ، حتى يتثنى العمل على إصلاحها ، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لبناء مجتمع قوي ومتماسك و خالي من الظواهر السالبة .
خطاب القائد البرهان في نيويورك كان خطاباً واضحاً وجلياً ، حيث دعا المجتمع الدولي إلى التفريق بين الجيش الوطني الحر و المليشيات المتمردة ، و المتفلتة و المأجورة ، و هذا التمييز يشكل عنصراً ضرورياً لفهم الدور الحقيقي للقوات المسلحة و الأجهزة النظامية الأخرى التي تبذل الغالي و النفيس في سبيل حماية الوطن وتعزيز الأمن و الاستقرار .
و يأتي تأكيد سعادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان على أهمية دعم الجيش الوطني و ما يسانده من قوات نظامية أخرى ، عاكساً الحاجة إلى وحدة الصف الداخلي و تضامن الشعب مع مؤسسات الدولة في ظل هذا الكم الهائل من التحديات التي تواجهها البلاد ، و من المهم نتعزيز هذا الوعي عند الشعب و تشجع الفهم الصحيح للمسؤوليات الوطنية التي تحارب الفساد بكافة أشكاله ، و محاصرة الفاسدين في جميع مؤسسات الدولة و خنقهم و إعتبار أي سلوك غير منضبط هو نوع من أنواع التمرد و التنمر على الشعب ، و لا فرق في السلوك بين مثل هذا السلوك الذي أشرنا إليه و مرامي المليشيا التي تهدف إليها فكلهم سواء .
و لهذا يجب أن يدرك الجميع أن هذا الشعب شعب عظيم و طيب و يفوت الكثير من التجاوزات بمزاجه الخاص ، و لكن الكيل قد طفح ، و بناءً على ذلك يجب أن يكون معلوماً الجميع أن لهذا الشعب إرادة لا تقهر ، و هذه الإرادة تعتبر القوة الدافعة نحو التغيير و الانتصار ، فعندما يتحد الشعب و يصبح لحمة واحدة ، فحينها يمكنه تجاوز كل التحديات التي تواجهه ، و التي يجب دحرها حتى يتمكن من بناء مستقبل أفضل و أكثر استقراراً وازدهاراً إن شاء الله .
الإيمان بقدرة الشعب على إحداث الفرق يعزز الأمل ويحفز الجميع على المشاركة الفعالة في العملية الوطنية ، و في النهاية لن يكون هناك أي طريق أمام التحديات سوى الانتصار لإرادة الشعب القوية والمصممة على تحقيق التغيير ، فكيف يتم الإحتيال على هذا الشعب بأي إسم كان ؟؟!!.. و لا نامت أعين الجبناء .
و الله من وراء القصد