مقالات الرأي

أحرف حرة – إبتسام الشيخ – ” الفولة ” نُذر المحرقة الأهلية القادمة

______________________

بعد أن تم ضرب المليشيا في مواقع مختلفة وطردها من مناطق كثيرة ، هامت على وجهها تسعى لنصر تعتقد أنها ربما ترفع به من روح منسوببها المعنوية ،
فيممت نحو الفولة عاصمة ولاية غرب كردفان وحاضرة المسيرية ودار نظارة الفلايتة (أحد أبدان المسيرية ) ،

إستباحت المليشيا اليائسة الفولة لكن بكل أسف دخولها المدينة على النحو الذي حدث ، إن إعتبرته نصرا فهو نصر هش لايُعتد به ، فالمليشيا بدخولها الفولة لم تضرب الجيش كما تعتقد إنما ضربت النازحين الذين تحتضنهم المدينة من جميع انحاء غرب كردفان ، ضربت قوت البشر ومأواهم ، فمعلوم أن الجيش كان قد لملم اطرافه وانسحب بعد معركة غير متكافئة ،

وبحسب شهود عيان ، كان عدد القوة من القلة بمكان في مواجهة قوة المليشيا كبيرة العدد ،
والمؤسف أن قائد المليشيا الذي إستباح الفولة هو أحد أبناء ولاية غرب كردفان ، وهو قائد المليشيا بالولاية ، من أبناء العجايرة (أحد أبدان قبيلة المسيرية ) ، وهو نفس القائد الذي حاول إقتحام بابنوسة ولم يفلح في دخولها وظلت صامدة تحت الحصار لعام ويذيد ،

وجعة الفولة هي ذات وجعة ولاية الجزيرة التي إستباحها أبناؤها، ومن يعيثون فيها قتلا ونهبا وسرقة ويرشدون على أصحاب الأملاك والأطيان والنساء هم أبناؤها أنفسهم ،

وهذا بعض من مخططات المليشيا الشيطانية أن تضرب المجتمعات بأبنائها ،
والمؤسف أنه من الواضح أن إتجاه الحرب في غرب كردفان سيمضي الى طريق الحرب القبلية بين الفلايتة والعجايرة ، كما يحدث الآن بين بعض المكونات في دارفور ،

وبحسب عارفين فقد تم تحذير قائد المليشيا بولاية غرب كردفان من قبل رموز ومسؤلين ومواطنين من مكونات الولاية بعدم اقتحام الفولة لأن في ذلك إثارة للفتنة و مساس بنسيج الولاية الإجتماعي وضرب للعلاقة الهشة أصلا بين الفلايتة والعجايرة ،

عندما كنت طالبة في المرحلة الجامعية كان إهتمامي منصبا تجاه السفر بغرض التعرف على أقاليم وولايات السودان الجغرافية المختلفة ومكوناتها وعاداتهم وتقاليدهم ، وأنا أبنة شرق السودان مولدا ونشأة ،
فكانت مدينة الفولة من المدن التي سعدت بزيارتها مع إخوتي وزملائي أبناء وبنات غرب كردفان بالجامعات والمعاهد العليا ولم تبرح ذاكرتي قط لهم السلام حيثما كانوا في منزح أو ملتجأ أو مهجر ، أو ربما مُقام أصروا على عدم مبارحته كما فعل البعض في المناطق المنكوبة ،
مكثنا في الفولة قرابة الشهر مابين زيارات للمستشفي والسجن والمدارس وبعض المرافق ذات الصلة المباشرة بالمواطنين فضلا عن الأسواق ، عقدنا الندوات والمحاضرات التوعوية في مجالات مختلفة ، وفتحنا فصولا لمحو الأمية ،

تعرفت على مكونات الولاية الأساسية وهي ثلاثة من أبدان المسيرية ( الفلايتة والعجايرة وهم المسيرية الحمر ) والمكون الثالث هو المسيرية الزرق ولهم بطون عديدة ،
لاحظت حساسية بل تنافرا بدا لي في مواقف عدة ، دفعني للسؤال عن مدى التعايش بين مكونات المنطقة ،
فكان أن روى لي كبيرُ قوم عن مشاكل تواجه علاقات العجايرة والفلايتة ، وأخبرني انهم إشتبكوا في العام ( ١٩٩٢) إشتباكا مشهودا راح ضحيته عدد كبير منهم ،
وبعد سنوات في العام ( ٢٠١٨/٢٠١٩ ) تابعت في وسائل الإعلام مشكلة قبلية بين ذات القبيلتين ، وكان قد ُأذيع وقتها أنه قد راح ضحيتها أربعة أضعاف ضحايا العام ١٩٩٢ ،

وبكل أسف هاهو أحد أبناء القبيلتين في طريقه لإعادة ذات المحرقة للمرة الثالثة في العام ٢٠٢٤ بين أهله ،

في الأسبوع الماضي حضر وفد من أبناء المسيرية ضم شخصيات ورموز مجتمعية ذات تأثير الى العاصمة الإدارية بورتسودان ،
التقى الوفد بعض المسؤلين في الحكومة القائمة ،
ووفق ماعلمت فقد جاء يحمل في طيات زيارته أهداف إستراتيجية عديدة ، تمثل أبرزُها في تأكيد أن قبيلة المسيرية غير حاضنة للدعم السريع وأن المشاركين من أبنائها في الدعم السريع لا يمثلون القبيلة إنما يمثلون أنفسهم ،
كما أن زيارة وفد المسيرية كانت تهدف الى إعلان دعم ومساندة القوات المسلحة ،
من خلال إتفاق قطاع كبير من المسيرية على العمل على سحب أبنائهم من صفوف مليشيا الدعم السريع ، وأعلنوا أنهم سيعملون على توسيع دائرة الإستنفار بتدريب أكبر عدد من المكون المحلي وإعدادهم إعدادا جيدا بحيث يكونون في حجم مجابهة التحدي الماثل ، كما أن وفد المسيرية صرح بأنهم سيعملون على تحريك الفئة الصامتة في مجتمعهم ليصدعوا بموقفهم من الحرب ، فبحسب تقديرهم أن الصامتين من مجتمع المسيرية الذين لم يعلنوا أنهم مع او ضد الدعم السريع يمثلون قرابة الستين بالمائة من القبيلة ، وهؤلاء في إعتقاد قادة المسيرية هم الذين يمكنهم إعلان أن القبيلة مع أو ضد مليشيا الدعم السريع ،
أما الهدف الإستراتيجي العام و الأشمل الذي قال قادة المسيرية إنهم سيعملون عليه بعد تحقيق هدفيهم سابقي الذكر ، هوأن يعملوا على إطلاق نداء لكآفة قبائل السودان بالتركيز على حواضن الدعم السريع ، بأن يسحبوا أبنائهم من صفوف المليشيا واضعين على عاتقهم تحمل المسؤولية التأربخية والمسؤولية الشرعية في ذلك ،
أرى أهمية وضرورة أن يمضي قادة المسيرية في إتجاه تنفيذ مصفوفة نواياهم الحسنة الأمر الذي أعتقد أن من شأنه إضعاف المليشيا ، لما عُرف عن المسيرية من أنهم مقاتلين أشداء ذوي بأس ،
كما أن خُطوة قيادات المسيرية هذه من شأنها الحفاظ على أبنائهم كمورد مهم للبناء والإعمار ، فضلا عن أنها خطوة نحو إنقاذ السودان ككل من دمار وهلاك حتميين حال إستمرت هذه الحرب ، وإستمرت البؤر القبلية التي تمد المليشيا بالمقاتلين من أبناء السودان ،

كما أرى ضرورة أن يكف البعض من أبناء السودان عن المذايدة على الآخرين وأن يمسكوا أنفسهم عن توزيع صكوك الولاء والبرأة والإتهام والوطنية ، فالسودان وطن لكل أبنائه وبكل أبنائه ، وعدا ذلك فالحريق والطوفان (أجارنا الله ) ،
رجاء كفوا ياهؤلا عن إشاعة الشحناء والبغضاء والتنافر والتناحر ، ولنا في حالنا الواقع مدرسة مفتوحة لمن يتعلم ويعي الدرس ،
يُقال إنك تستطيع التحكم في متى تُطلق شرارة الحرب ، لكنك لا تستطيع التحكم في نتائجها .
فأنتبهوا أيها السادة .

حفظ الله البلاد والعباد

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى