رؤى ومحطات – الفاشر مقبرة الغزاة – خالد قمرالدين
________________________________
ـ مرت وتمر حرب الكرامة هذه بمحطات كثيرة .. من ضمنها الفاشر .. ولكن الفاشر محطة غير عادية .. ليس لقوات الشعب المسلحة والمقاتلون بجانبها .. وإنما للجنجويد .. هذه الظاهرة القديمة .. اللعينة التي لطالما عانت منها الفاشر قديما وحديثا .. وكأني بها تنتفض لكبرياءها وكرامتها وتحاربهم بكل ما أُوتيت من قوة .. حتى برياحها وأمطارها وذرات رمالها وتاريخها التليد
ـ هذه المعارك التي إختاروها هم .. كما ان الحرب بدأوها هم .. صادف ان جاءت في الزمان والمكان المحددين كما تشتهي الفاشر وتهوى .. مدينة قديمة ومعتقة بشهامة النسيج الإجتماعي والمكون التاريخي لها .. هي ليست زالنجي .. وليست الجنينة .. وليست نيالا او الضعين .. ليس تقليلا من شأن هذه المدن ومواطنيها الشرفاء الوطنيون .. ولكن الوطنية نفسها عندما يممت وجهها تجاه الغرب إحتضنتها الفاشر .. وعندما قلّبت وجهها في السماء كانت قبلتها الاخيرة الفاشر .. يكفيها انها كانت ولا زالت عاصمة إقليم دارفور التاريخية ورمزيتها الحضارية .. منذ ما قبل حكومات مستر مور وسلاطين باشا ومحمد بن عمر التونسي
ـ فاشر السلطان .. لن تذل ولن تهان لشرذمة قطاعين طرق (قطاعين محافض) .. وهي جمع محفظة تصنع من الجلد قديما ولا تزال يحفظن فيها النساء نقودهن ويضعنها عبر حبلها في اعناقهن ويدخلنها في صدورهن ـ على قول دفعتنا وصديقنا العزيز ابو القاسم ابراهيم محمود ـ وخاسرين رهان .. ربما لا يعرف الكثير من الناس في بلادي أن الفاشر لوحدها قادرة على تغيير أنظمة في دول جوار السودان الغربي .. ولا اذيع سرا إن قلت لكم حدث وفعلتها الفاشر فيما مضى ..وهي لا تزال قادرة ان تفعلها الآن .. دعك من هؤلاء الغزاة البغاة الذين بدأوا يتساقطون كأوراق التوت هنا وهناك في اسوارها وحواريها
ـ الفاشر يكفيها فخرا انها انجبت شجعان أمثال عادل الفكي .. كاباكا الحاكم اباكا .. عبد القادر منصور .. وغيرهم .. حُق للكابلي ان يقول عنهم (عندنا الغرب رجال في إهاب الأُسد والأُسد غضاب) .. هذا غير أنها تمثل تحديا حقيقيا لكل من حاول إمساك عصا الحرب من النص وحتى المتخاذلين الذين حسبوا انهم في مأمن وبمنأى عن حماقة الجنجويد .. حتى أتاهم اليقين بدخول الحرب في (اللحم الحي) على حد تعبيرهم .. مما جعلهم بكل الوان طيفهم يهبوا هبة رجل واحد الى اسلحتهم مرددين في غضب وتحدي (جيدا جيتو) .. ليس بقدر ما كرر الهالك على يعقوب وهو يتوسل فزع جنجويده اليه في الفاشر في أواخر ايامه .. لانها تمثل لهم حرب بقاء .. وإنما بصورة أكبر هذه المدينة العريقة تمثل حرب بقاء لكل أهل المدينة وأهل دارفور وكل من إستجار بها وظن انه آمن .. وهو كذلك .. يجب ان تظل الفاشر قوية ومتماسكة وشامخة شموخ قصر سلطانها وفرقتها السادسة والخير خنقا وحجر قدّو وبوابة جيدا جتو .. وجيداً جيتو يالدعامة .. هنا الفاشر .. هنا مقبرة الغزاة.