أجراس فجاج الأرض – عاصم البلال الطيب – ملك الجامبو.. بر الوالدين
_____________
عصاميون
العصاميون ، جديرون بالإحترام ، أولاد مسقط رأسنا ديم القراى ، أبناء عمومتنا وخؤولتتا ببورتسودان ، أولاد الخواض عبدالمحمود عيسى من عاصرته طفلا بديم شاطئ قبل نصف قرن ونيف ، أذكره بكل تفاصيله وحدائق مترامية متناثرة على ساحل الأحمر ، بفارق الصبر ، انتظر مقدم خالى اليسارى ، الشيوعى ، المختلف ، كمسارى الفرملة ، عبداللطيف القراى ، ليردفنى على عجلته الدراجية لتلك الحدائق لتناول كوب عصير مثلج وبورتسودان من يومها سخانتها فى شهور تلحم وتصهر ، هى من ذكريات طفولتى الباقية العالقة بالوجدان ، والخواض عبدالمحمود من أسماء خالدة فى حياتى بالمدينة الميناء ، رفقة أسرتى ، والدى البلال وأمى مريم القراى وأشقائى أحمد وياسر ونجاة ومبارك ولا أنسى جدى ملك التنجيد أحمد عثمان الإمام ، خال والدى ومن إصطحبه فى ريعانة صبابته وشبابيته لبورتسودان فى أربعين القرن الماضى وغربانها إثنين ، مدينة مختلفة البورت القديمة ، مسحتها فرنجية . والخواض عبدالمحمود عيسي ، مميز فى كل شئ ، ملفت باعماله والتقدم فى التفكير على الأقران ، اذكره ، إذ كما خالى الكمسارى ، يهادينى ويراضينى ، وتذكرنى أمى دوما بقصة مربوطة بسيرته المذكورة بالمدينة وإكرامه لطفولتى ، رجل اعمال من مشاهير زمانه وأقرانه بألاجته وهيبته وقامته المديدة والرشيقة وسحنته القمحية.
التسكع
أحيانا ، عمدا نازحا متسكعا، متأملا ، مهجرا من شمبات حلوة المقيل ، امر من أمام متجر والدى بسوق بورتسودان بالقرب من موقف التاكسى العتيق والمتبقى أثر بعد عين ، وأقف وحيدا لهنيهات مزخوما باطياف من الذكريات وصورة والدى البلال تضاحكنى وطلة جدى أحمد عثمان فى دكانته المجاورة تغازلنى وبطيخته هدية كل جمعة الخاصة وحاجات ثانية تكيفنى تطعمنى من عالمه الآخر ، تقريفنى ، و تطفر صورة سبيل والدى المفرور بالآوانى فى طاولة عالية أمام محله معبأة بالعصائر ، كأنها هى ، اوشك على شربة منها هنية ، وتداعبنى عن بعد فى حالتى تلك ، صورة الخواض عبدالمحمود المهادية والمراضية لطفولتى ووقفته تلك يوم ختانى ، لا انسى اليوم ولا عمنا محمد على الحاج مصطفى من تصيدنى بحيلة للإستسلام.
التشابه
وثمة تشابه بين صورتى جدى والخواض فى مخيلتى ،
فكلاهما فارع وناحف وزيه ناصع البياض يزيد من وجاهة ووسامة ، ورحلا بسيناريوهين متشابهين بفارق سنوات ليست بالطويلة ، رحيل جدى احمد عثمان ، هو زيارة ملك قبض الارواح الأولى التى أذكرها لعزيز من دنيا طفولتى قبل توالى الزيارات مع السنوات تباعا دون إعتياد ، أقضى فترة وجودى بالسوق الكبير بين محلى والدى وجدى من رحل فى دكانته بغتة بالسوق الكبير ، أذكر يوم الرحيل هذا غير مستوعب غياب جدى الأبدى وتشييعه المهيب من منزلنا بديم شاطئ وسط بكاء ونحيب تقاسمته مع نسوة الأهل والمعارف والحى و ازدادت وتيرته وجدى جثمان مسجى من داخل البيت على الآلة الحدباء محمول ، وفى البيت اذكر شجرة الجوافة وإشراقة الجيرة ، سأبحث بعد أكثر من نصف قرن مستدلا بمعاصرين عن قبر جدى لأقف عليه داعيا وقد تخلفت لصغر عن تتبع جنازته . وتشئ الأقدار ، قضاء الخواض عبدالمحمود أيامه الأخيرة بقريتتا ديم القراى وانا صبيا أرقبه عن بعد وأتهيبه ، ويوما لمحته متحركا فى ضحوية داخل فناء ديوان آل عبدالمحمود وقرينته الحاجة المبروكة وملكة العصامية بنت الشفيع من فوق جدران منازل القرية القصيرة ، وما أن توارى عن مرامى أعينى ، حتى سمعت ما نعرفه فى قريتنا بطق الكوراك بمثابة الإعلان عن وفاة الخواض بغتة والموت فى ذاك الزمن حدث للأرخنة لقلة وقوعه بالرغم من ضعف الرعاية الأولية والصحية ، هى البركة والنوايا السمحة . رحل الخواض بسيناريو شبيه لموت جدى والقواسم المشتركة ، علاقتهما بى و الموت المفاجئ والبكاء الحار على فراق الإثنين ، رحمهما الله ، هى من ذكرياتى الخالدة الماكثة بالحزن سنينا فى بورتسودان غير نازحة.
المغادرة
غادر والدى بورتسودان قبل ما يزيد عن نصف قرن بعد تجارة ملء السمع والبصر ، كتب عنها سفرا ، مآسى الزمان والتجارب المريرة للإنسان، وزرتها طوال هذه الفترة وحتى ما قبل الحرب ، مرات معدودات لا تتجاوز اصابع اليد ، زيارات خاطفات لاتزيد عن الساعات ، لكنها مدينتي الاثيرة والمدللة ، وإن عدت إليها منذ أشهر نازحا من مسارح الحرب بشمبات حيث بقيت هناك زهاء العام ، توقفت فى عدة محطات نزوح قبل الوصول للبورت بلا خطة ولا بوصلة وخارطة طريق ، يحدونى الامل ولايجف فى كأسى الرجاء بانتهاء الحرب و بالدولة الحلم ، وأبدد وحشة النزوح بصحبة ضحايا حرب و حميمية زملاء المهنة بالمدينة وأماثل وشجر وشقيرا وبنات إيرا، متمثلا قول شوقى وسط سرب نزوحى ، إن المصائب يجمعن المصابين ، ويخفف عنى ذكرياتى وقيام دكان والدى ليومنا ، كأنه هو ، غير أيلولته لآخرين بتبادلية أدوار الحياة الدنيا ، ويعيدنى لزمنى البهى بالمدينة الثغر ، مرورى بمطعم ملك الجامبو الأشهر بواجهة النادى القبطى ، لدى أول مرور ، يشير الاخ ياسر لساحة تعج بخلق كثير ، يتحلقون دوائر ومربعات حول موائد ، هو مطعم الجامبو كما يعلمنى شقيقى ابن المدينة وحامى شرطتها سنين عدا، ويزيدنى بأنه الأفضل ، وازداد لدى بالتميز لارتباط سيرته بالأشقاء زايد وخالد ومحمود وصابر ، أبناء الخواض عبدالمحمود وجيه المدينة فى زمنه ورجل الأعمال العصامى ، ويبدو أثر جينات النجاح واضحا فى هذا المطعم وتنوع وجباته للغنى المفتر وللفقير المقتر ، وهنا يكمن سر النجاح ، والحرص على الجودة ، ومحمود المدير يشرف على كل كبيرة وصغيرة عن قرب وبعد واعيا بخطورة المهنة وارتباطها بغذاء الإنسان وسمعة مدينته التى يحب ، وانت بين ظهرانى ملك الجامبو مستطعما ، يقف على راحتك ضيفا عزيزا.
التفاؤل
ملك الجامبو واجهة مشرقة ومشرفة للسياحة الغذائية ، ويقبل عليه النازحون لكثرة البدائل والتوافر على الإحساس بوجبات الأسر المفقودة ، فى حضرة محمود يغدق علينا السدان الكرام وصحابنا الوجبات مبهّرة بالبشر و حلو الترحاب ، ولنتفادى وجوده ، نتوارى عن عيون رقابته الدائمة للجودة والتميز يعينه فريق عمل ممتاز ، يدعونا وغيرنا من الأهل والأصدقاء بإلحاح لتناول وجباتنا يوميا نازحين مغلوب على أمرنا ولكننا نستحى من فيض كرمه ونتسلل مرات لملك الجامبو للإصطفاف أمام الكاشير لطلب ما تشتهيه الانفس مرتاحة ومكلومة ، يستحق محمود وإدارته لملك الجامبو انتشار فى المدينة وقبلاتها السياحية وأفكاره بالتطور تترى ، يعكف حاليا مع المجموعة المتميزة لإدخال أصناف تروق لضيوف المدينة من الأجانب ، تفاؤل حميد ، نظرة سياحية متقدمة حفية بالإهتمام والإلتفات ، رحل الخواض باكرا ومحمود وإخوته من يكبره ويصغره الآن يتميزون كل فى محفله وزايد كبيرهم فى بلاد الملايو والأسيوية زعيم بتصدره لكل عمل يخدم جاليته بكوريا ونظيراتها بالدول المجاورة ، والتميز جينات موروثة من أب إختار بمواصفات أما لأبنائه تحسن التربية والتنشئة ، ولو اشتهروا فى البورت بملك الجامبو وبيننا بالتهذيب والأدب، فإنى أحضهم عند التفكير فى التغيير او التوسعة والإنشرار فبإسم الخواض أولاد تخليدا لسيرة أب تستحق ، تزور ام محمود فى بيتها الجميل بطردونا ، تتلقى محاضرة فى الكرم الفياض ، و تتعرف على سر النجاح ، بر الأبناء بالوالدة.