مقالات الرأي

أحرف حرة – إبتسام الشيخ – إنفنتي.. تختلف الأسباب والروح والأحلام واحدة

_____________

تتوالى أرتال ضحايا الحرب في السودان ، ليضم سجل الفقد في الأسبوع الماضي ضحايا صالة إنفنتي بعطبرة ، عليهم الرحمة والمغفرة وعلى قتلتهم اللعنة إلى يوم الدين ، تتعدد وسائل القتل وتختلف المواقع جغرافيا لكن النتيجة واحدة ، أرواح سودانية عزيزة تفنى ،

رصيد من الموتى والجرحى والمعاقين والمفقودين واليتامى والأرامل فاقدي السند في بلد بات يحتاج السند والمناصرة من جور أبنائه ،

رحم الله شهداء إنفنتي ولا إعتراض على حكم الله ، لكنهم إيضا ضحايا سوء تقدير وتحدي في ظل مهددات تحيط بالمواطن السوداني من كل إتجاه ،

جماعة تعلم أنها محط إستهداف في معركة تصفية حسابات ، فلماذا المغامرة بأرواح بريئة لا علاقة لها بهذا إو ذاك في تجمع في توقيت خطأ بكل المقاييس ،

طالعت أمس مقالا مس مني شغاف القلب وكان مبعثا لآلآم دفينة وإجترارا لذكريات مريرة ، كاتبة المقال تحكي عن أحلام الطفل الذي أغتيل غدرا ضمن الحضور في إنفنيتي في ذلك اليوم المشؤوم ، وماأكثر الأحلام التي أُغتيلت على مر الحروب والصراعات والنزاعات في السودان ، ليس أولُها أحلام الأطفال في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق ولا آخرُها أحلام طفل إنفنتي ، مرورا بأحلام أُجهضت للمئات بل الآلآف بالخرطوم والجزيرة والنيل الأبيض وسنار ، لإطفال وشباب وشيب ،

كنتُ شهودا في بداية حرب أبريل المشؤومة على موت وجرح وإعاقة العشرات من معارفنا بمنطقتي الفتيحاب والشقلة بأم درمان ، ليسو أُناسا رأيناهم على الشاشات او سمعنا أخبارهم عبر الإذاعات ، بل عاشرناهم ، تحدثنا إليهم وتحدثوا إلينا ، بعضهم راح ضحية الإشتباكات المباشرة بين الجيش ومليشيا الدعم السريع ، بعضهم قضت عليه دانة وهو في عقر داره أو متجره ، هم صحبُ ومعارف وجيران ، إن قدر الله أن نعود وتعود مناطق الريف الجنوبي لأم درمان الفتيحاب وصالحة إلى سابق عهدها لن يكونوا بيننا ، لن نراهم ، أطفال غُر و صبية في عمر الزهور ، نساء ورجال في مختلف الأعمار تركوا وراءهم الأبناء والزوجات أو الأزواج ، يتجرعون الحسرات والآلآم ، جميعهم لا علاقة لهم بأسباب الحرب ، كل ذنبهم أنهم مواطنون فبي بلد هانت فيه الروح وفقدت حرمتها ، فأضحت أرخص من أرواح أصغر الحشرات ،
أوجاعا ومرارات لا تُحصى سكنت النفوس وأدمت القلوب بفعل الحروب والصراعات والنزاعات في السودان ، تُؤلم جدا إن عايشها الإنسان لمرة واحدة في حياته ، فكيف بمن تكررت أوجاعُهم وتجددت آلآمُهم وصارت المآسي قدرهم ، وفُتحت جراح كانوا قد ظنوا شفاءها من أهالي دارفور وكردفان والنيل الأزرق ؟ ،

في العام ٢٠١٣ ، كنا في زيارة عمل لولاية جنوب دارفور (مؤتمر النازحين واللاجئين) الذي نظمته مفوضية العودة الطوعية وإعادة التوطين ،

قمتُ بتسجيل حلقة من برنامج حواري لإذاعة دارفور fm التي تبثُ من الخرطوم ، كان ضيوفي على غير العادة ولخصوصية الحلقة ثلاثة عشر شخصا يمثلون مختلف معسكرات النازحين بولاية جنوب دارفور ، بدءا من معسكر كلمة أكبر وأشهر المعسكرات مرورا بمعسكرات دريج ، عطاش ، السلام ، ثكلي ، قريضة ، السريف وكاس ، سجلتُ الحلقة بإستديوهات إذاعة ولاية جنوب دارفور على إيام الزميل الدكتور ياسر إبو عقيله مدير هيئة إذاعة وتلفزيون جنوب دارفور عليه ألف رحمة ونور ،

جلست إلى هذه المجموعة المنتخبة من المكلومين ضحايا الحرب التي إندلعت في دارفور في العام ٢٠٠٣ ، بين حكومة البشير وحركات دارفور المسلحة ، كانت الحوار مزيج من الشجن والألم وإجترار الذكريات وفتح كوة نحو المستقبل بتحدي الآلآم بالجراح ، كان سؤالي المحوري لهم ، ( أين كان كُل منكم لحظة إندلاع الحرب ؟ وماذا حدث حينها ؟ ومن ثم إنتهينا إلى واقع حالهم وماصاروا اليه ، نازحين يقيمون في معسكرات مشيدة من مواد بلدية ، مساحة سكن الأسرة من فرط ضيقها عبّر عنها أحدهم بالقول ( لو مديت رجلك بتمدها في سكن أخوك ) ، ومع ضيقها كانت تفتقر إلى أبسط وأهم الخدمات ،

إجاباتهم جاءت مزيجا من تصوير لحالات فزع ورعب ،خوف وحيرة ، مشاعر مضطربة في تلك اللحظات ،

قال لي شيخ مشايخ معسكر كلمة حينها ،( في تلك اللحظة التي تم فيها قصف منزلي فُقدت سبعة من أفراد أسرتي ) ، وقالت لي نازحة من قرية مرير ، ( في تلك اللحظات حُرق مسكنُنا وبداخله ثلاثة من أفراد اسرتي ) ، وحكى آخر إحتراق قريته بكاملها بيوتها وسكانها ، كان الراوي من الناجين مع قلة من السكان ، ليُصبحوا شهودا على تأريخ أسود وماضي مرير ، وروت أخرى مآسي يشيب من هولها رأس الوليد ،

الإكثر إيلاما أن نازحي معسكرات دارفور لا زال الكثير منهم حتى إندلاع حرب الخامس عشر من أبريل نازحا يعاني أوضاعا سيئة يحلُم بحياة كريمة ووضع أفضل ، فلا بلغ الحياة الكريمة ولا عاش الوضع الأفضل ، بل هاهو السيناريو وقد تكرر ، فقد الأعزاء والهروب من الديار ، ولا يزالون من نأي إلى نأي تطاردهم أشباح المليشيا في مدينة الفاشر الملاذ الوحيد الذي تبقى لهم في إقليم دارفور ، ففروا إليه ، وماعاد آمنا ،

الحربُ أصبحت قدرا على السودانيين بسبب الأنانية والأطماع ورغبات الاستحواذ والسيطرة المناطقية والقبلية وتضييق الواسع ، لم يسعنا السودان على إتساعه ! وتمدد مسافاته وترامي أطرافه ! ، وكثرة ثرواته !، التنوع في كل أنحاء العالم نعمة إنعكست حضارة وتمدن وتطور ، إلا في السودان تنوعنا نقمة ! أورثتنا التباغض والأحقاد والأضغان ، وأدخلتنا في رحى حروب أفقدتنا خيرة الموارد البشرية من شبابنا ورجالنا ونسائنا ،

ولا يزال الفقد مستمرا وموارد بلادنا لا تذهب لتوفير العيش الكريم بل تُهدر في حروبنا وصراعاتنا ، في الوقت الذي صارت أخبار الجوع والمرض وفقد المأوى هي عنوان السودانين ،

حتى متى سيظل الأبرياء في السودان يدفعون كلفة إستبداد البعض من أبناء جلدتهم وأنانيتهم ولا وعيهم بل وجهلهم ؟! .

وهل قدر حواء السودان ألا يتقدم من أبنائها سوى الذين في أعينهم رمد ، صم العقول والقلوب؟! .
حفظ الله السودان

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى