أميره محمد عبدالحليم تكتب السودان…العودة إلى المربع الأول
________
على الرغم من استمرار الجهود التي تبذلها الأطراف الخارجية والداخلية في السودان لوقف الحرب التي اقتربت من إتمام عامها الأول، تعبّر التصريحات التي يدلى بها قائدا الحرب عن تحديات الوصول للسلام في السودان حيث تطيح هذه التصريحات بكافة جهود تسوية الصراع، فماذا يهدف طرفا الصراع من هذه التصريحات ؟ هل هي تكتيكات للوصول إلى أعلى المكاسب من السلام أم أنها تنذر باستمرار تصفية الحسابات والتجاذبات بينهما؟
في حين تتواصل المواجهات المسلحة بين الجيش والدعم السريع في العديد من المواقع في السودان وخاصة في مدينة أم درمان ومدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، حيث أدت غارات الجيش في المدينة إلى نزوح مئات المواطنين، طالعنا القائد العام للجيش ورئيس مجلس السيادة في 11 فبراير(شباط) الحالي بتصريحات، أدلى بها في إحدى الفرق العسكرية في الولاية الشمالية نفي خلالها ما تردد حول وجود محاولة انقلابية في الجيش و«أن الجيش لم ينهزم ولن ينهزم»، وفي اليوم ذاته، خرج قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو على جنوده في تسجيل صوتي عبر منصة «إكس» هنأهم فيه بانتصاراتهم في حي المهندسين بأم درمان، على الرغم من نفي مصدر عسكري في الجيش لما تردد حول وصول قوات الدعم السريع إلى سلاح المهندسين أو السيطرة عليه، وفي وقت لاحق، نشر حميدتي تسجيلاً صوتياً آخر عبر «إكس» قال فيه: «الحرب ستنتهي سريعاً في الأيام المقبلة». وأضاف «يمكن أن نسيطر على كل المناطق في السودان، لكننا اخترنا السلام».
مسار جديد للتسوية
فقد أشارت بعض المصادر إلى عقد قادة كبار من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لثلاثة اجتماعات خلال شهر يناير(كانون الثاني) الماضي في العاصمة البحرينية المنامة، حضرها مسؤولون من مصر والإمارات والولايات المتحدة والسعودية، فيما يعد تواصلاً جديداً على درجة رفيعة بين الجانبين حيث مثل الجيش اللواء شمس الدين كباشي، نائب القائد العام للقوات المسلحة، ومثّل قوات الدعم السريع اللواء عبد الرحيم دقلو، شقيق قائد قوات الدعم السريع.
إلا أن التصريحات التي أدلى بها وزير الإعلام المكلف غراهام عبدالقادر عقب الاجتماع المشترك الذي عقدته الحكومة السودانية ومجلس السيادة يوم الجمعة 10 فبراير(شباط) 2024، حملت إشارات تعبّر عن تحديات الوصول إلى السلام ووقف الحرب في السودان، حيث أكد الوزير أن حكومة السودان تعتمد منبر جدة كمنبر وحيد للتفاوض بشأن الحرب التي فرضتها الدعم السريع والتي وصفها ب «الميليشيا المتمردة» وأنها لن تجلس أو تتفاوض مع (الدعم السريع) في أي منبر آخر.
مخاوف من تفاقم الوضع الإنساني
فقد أفاد مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (OCHA) في السودان في تقرير أخير، أن شبكة نظام الإنذار المبكر بالمجاعة، تتوقع أن يحصل السودان على ثالث أعلى نسبة من السكان المحتاجين بين البلدان خلال العام الحالي، حيث تزداد احتياجات المساعدات الغذائية بسبب التوسع الأخير في المواجهات المسلحة في جنوب شرقي البلاد، فضلاً عن ضعف وصول المساعدات الإنسانية ما يفاقم من حالة الأمن الغذائي، وتدهور بعض الأسر إلى مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي في العاصمة الخرطوم ومدينة الجنينة. ويحتاج نصف سكان السودان، أي نحو 25 مليون شخص، إلى المساعدة الإنسانية والحماية، في حين فر أكثر من 1.5 مليون شخص إلى الدول المجاورة.
وأعلنت الحكومة السودانية أن عدد النازحين في 9 ولايات بلغ أكثر من 11مليون نازح موجودون في 67 محلية، كما أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) مؤخراً أن الحرب الدائرة في السودان قد تتسبب بسوء التغذية الشديد لأكثر من 700 ألف طفل هذا العام، محذرة أنها لن تستطيع الوصول ومعالجة إلا أقل من نصف هذا العدد.
كما توالت الدعوات الأممية لإعادة الاتصال ومنع عزلة البلاد، حيث دعا مارتن جريفيث وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، إلى استعادة شبكة الاتصالات في جميع أنحاء السودان وذكر عبر حسابه على منصة« إكس»، أن «انقطاع الاتصالات في السودان يمنع الناس من الوصول إلى الخدمات الأساسية وتحويل الأموال كما يعيق الاستجابة الإنسانية.. هذا غير مقبول».
حيث عادت خدمات شركة «سوداني» إلى ولايات شرق السودان الثلاث (البحر الأحمر وكسلا والقضارف)، كما وصلت الخدمة إلى مدينة النهود في ولاية غرب كردفان بعد خمسة أيام من انقطاع الاتصالات والإنترنت، إلا أن شركتي «زين» و«إم تي إن» لا تزالان خارج الخدمة، وقد أدى قطع الاتصالات إلى عزل ملايين السكان وشل حركتهم في الحصول على احتياجاتهم وتوفير الأدوية، مع بروز تحذيرات من عدد من الهيئات من احتمالات ارتكاب طرفي الصراع لانتهاكات ضد المدنيين في ظل انقطاع الاتصالات.
وحث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في مؤتمر صحفي في 9 فبراير(شباط) 2024، المجتمع الدولي على التعبئة وبذل كل ما هو ممكن لوقف الحرب في السودان، قائلاً إن «ما يحدث مروع»، وأن الوقت قد حان ليبدأ الخصمان المتحاربان في الحديث حول إنهاء الصراع الذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 12 ألف شخص وأدى إلى فرار أكثر من 7 ملايين من منازلهم.
وأخيراً، تظل الأزمة في السودان تبحث عن حلول ومسارات جديدة لإقناع طرفي الصراع بوقف الحرب، وربما تكون اجتماعات المنامة الأخيرة امتداداً لمنبر جدة التفاوضي ومؤشر على استئناف فعالياته، إلا أن إقناع طرفي الصراع بالعدول عن الخيار العسكري كأداة وحيدة لتسوية الخلافات فيما بينهما يحتاج إلى مزيد من الضغوط الخارجية التي ترتبط بإرادة ومصالح القوى المختلفة في إنهاء الصراع، وربما استمرار الجهود التي تبذلها القوى السياسة السودانية وبدعم من الدول المجاورة للسودان وكذلك بعض دول الخليج، فضلاً عن الرعاية الأمريكية يفضى إلى الوصول إلى تفاهمات بين قائدي الحرب تحول دون انزلاق السودان نحو سيناريوهات كارثية لا يقوى على تحملها الشعب السوداني.