قصة مقبرة “نفر حتب” كاتب آمون وزوجته “ميريت” مغنية الإله آمون بالأقصر..
الأقصر – نبض السودان
مجهود ضخم يتم داخل إحدى أهم المقابر الفرعونية فى منطقة الخوخة فى البر الغربى بمحافظة الأقصر، والذي بدأ منذ 24 سنة على يد بعثة جامعة بيونس آيرس الأرجنتينية بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار في 2010، وهي مقبرة “نفر حتب” التي تعود للأسرة 18 بعصر الملك “آي”، وهو كان يعمل مشرف على بضائع الإله آمون، والكاتب فى فترة الملك “آي”، وزوجته ميريت رع ولقبها “شمعيت” ويعنى مغنية الإله آمون رع، حيث تم افتتاحها الترميمات داخلها منذ أيام قليلة أمام الجمهور من سياح العالم، والتى تربطها علاقة وثيقة بمعابد الكرنك فى شرق الأقصر حيث ظهر فى عام 2013 نقش أثري للكرنك داخل تلك المقبرة يظهر وجود سد حجري كبير يحيط بالمعبد الأكبر فى العالم لحمايته من فيضان النيل السنوي.
وعن ذلك الإرتباط الوثيق بين مقبرة “نفر حتب” وبين معابد الكرنك، يقول الطيب غريب مدير معابد الكرنك، إنه تقع هذه المقبرة في منطقة الخوخة أحد مناطق جبانة طيبة الغربية، وهي من المقابر الجميلة التي تحوي مجموعة رائعة من النقوش والمناظر والألوان المبهجة، وهى التى ساهمت فى إكتشاف أكبر سد حجري حول الكرنك لحمايته من فيضان النيل، حيث كان النقش فى تلك المقبرة هو الأبرز والأهم في إكتشاف ذلك السد الحجري لخدمة التاريخ الأثري بالكرنك المعبد الأكبر والأقدم في العالم.
ويضيف الطيب غريب فى تصريحات لـ”اليوم السابع”، إنه قد تعرضت هذه المقبرة للعديد من أنواع التخريب، حيث تم سكنها في القرن التاسع عشر، وتم حرق مجموعة من الموميات داخلها الأمر الذي أدى إلى إنتشار طبقات من السناج واللون الأسود داخل طبقه الجص أو الملاط الذي يغطي أغلب مناظر المقبرة، هذا بالإضافة إلى كشط ومحو العديد من المناظر داخل المقبرة، موضحاً إنه بدأت أعمال البعثة فى الحفائر ورفع الرديم والترميم المعماري والترميم الدقيق وإزالة الاتساخات والتكلسات وظهور النقوش والألوان لأول مرة، واستغرق العمل سنوات عديدة بحساسية شديدة داخل المقبرة، ولا يزال العمل مستمر لإظهار النقوش والألوان لحالتها الطبيعية.
ويؤكد مدير معابد الكرنك، إن من بين المناظر الموجودة على جدران مقبرة النبيل نفر حوتب، منظر رائع يمثل مدخل معبد الكرنك في أواخر الأسرة 18، حيث وجد بالنقش قناة على حرف “تي” تصل ما بين مجموعة معابد الكرنك ونهر النيل، ومجموعة من السفن والمراكب ترسو في النهر أمام معابد الكرنك، وخلال عمل البعثة المصرية للمجلس الأعلى للآثار والتي عملت منذ العام 2002م وحتى العام 2010م، ووفقاً لنتائج هذه البعثة والتي توصلت إلى أن هذا المنظر وهذا التخطيط كان يوجد في أواخر عهد الأسرة 18، الأمر الذي تغير لاحقاً في أواخر عصر الدولة الحديثة، وذلك ببناء ميناء على نهر النيل مباشرة بعد ردم هذه القناة، وتحول مجرى نهر النيل إلى الغرب الأمر الذي حدا بالمهندسين في ذلك الوقت لبناء أضخم ميناء في تاريخ الحضارة المصرية على الإطلاق، حيث يصل عرضه حوالي 22 متر وطوله حوالي 25 متر وكان على نهر النيل مباشرة، حيث تم عمل مجموعة من المياه المجسات وأعمال الحفر في محيط وداخل هذا الميناء النهري، والتي توصلت إلى أن هذا الميناء كان مقاماً على نهر النيل مباشرة، وأن التخطيط القديم الذي يمثل القناة التي كانت تصل ما بين معابد الكرنك ونهر النيل قد تم ردمها، ولعلها كانت توجد أسفل الصرح الثاني أو داخل الفناء الأول.
وفى نفس السياق كشف الدكتور منصور بريك الخبير الأثرى والذي قام بتلك المهمة فى الفترة الماضية، أن صاحب المقبرة وزوجته يعودون لعصر الدولة الحديثة 1327 قبل الميلاد وتحديدا عهد الملك “آي”، والذي تولى العرش بعد توت عنخ آمون، ونفر حتب كان يشغل منصب كاتب آمون المعظم والمشرف على النساجات، موضحاً إنه عندما كان مديراً عاماً للأقصر فقد بدأ أعمال الترميم فى المقبرة عام 2000م بمعرفة البعثة الأرجنتينية برئاسة “فيوليتا بيسيرا”، وتم استخدام تقنية الليزر فى ترميم المقبرة بمعرفة خبراء من ألمانيا والبرازيل، وذلك لإزالة طبقة السناج السوداء التي كانت تغطي الألوان فى المقبرة ونجحت البعثة حتى عام 2013م من الإنتهاء من إزالة تلك الطبقة وظهرت الرسومات والنقوش داخل المقبرة فى حالة ممتازة من الحفظ، واستمرت بعد ذلك أعمال الترميم المعماري حتى تم افتتاحها.
وأكد الدكتور منصور بريك، عن قصة الربط بين المقبرة ومعابد الكرنك، إن ما يهم هو منظر كبير على أحد جدران المقبرة يصور معبد الكرنك والواجهة الغربية له، ويظهر قدس الأقداس والصرح الثالث للكرنك والذي كان في عصر بناء المقبرة هو الصرح الذي يتقدم معبد الكرنك، والأهم إنه مصور أمام هذا الصرح بحيرة مستطيلة الشكل جدرانها مشيدة من الحجر وتربطها بنهر النيل قناة طويلة، موضحاً أن هذا المنظر يرجع لعصر الأسرة الثامنة عشر من الدولة الحديثة، واستنادا إلى المنظر المصور فى مقبرة نفر حتب وعند تطوير ساحة معبد الكرنك فى عام 2006م استطاع ومعه فريق من الأثريين المميزين، ومنهم كل من:- (إبراهيم سليمان وأمين عمار عبدالستار البدري والدكتور مؤمن سعد والدكتور محمد نجيب ومحمد حاتم وسعد بخيت وصلاح الماسخ وشيماء منتصر ووفاء جمعة، ومجموعة من المرممين في معابد الكرنك)، من الكشف عن سد حجري كبير شيده المصري القديم ليحمي معابد الكرنك من خطر مياه الفيضان.
وأوضح الخبير الأثرى منصور بريك، إنه تبين أن السد الكبير المكتشف وقتها بلغ إرتفاعه أكثر من سبعة أمتار وعرضه أكثر من مترين، وقد شيدة المصري القديم بطريقة هندسية رائعة، حيث جعل واجهته الغربية تميل للخلف وصمم فيها سلالم لكي يستطيع زوار المعبد من الصعود عليها لزيارة المعابد فى الأعياد القديمة، ونجح الفريق المصرى وقتها فى الكشف عن جزء كبير من هذا السد العظيم بطول حوالي 450 متر، بل بالدراسة الجيومورفولوجية وكذلك دراسة طبقات الأرض والمسح الراداري لطول إمتداد هذا السد، تما التأكد بأن المصري القديم قد بدأ بنائه فى عصر الدولة الحديثة، ونظرا لإرتفاع الطمي أمام السد كل عام كان الملوك المصريون القدماء يقومون بزيادة إرتفاعه وكذلك إمتداده، وتم العثور على نقش من عصر الأسرة 35 الكوشية يؤكد أن طهرقه قد أنشأ إمتداد لهذا السد أمام معبد خونسو لحمايته من خطر الفيضان، وعند تنفيذهم لمشروع طريق الكباش استطاعوا الكشف عن إمتداد السد أمام معبد خونسو، ونظرا لترسب الطمي سنوياً أمام السد أدي فى النهاية إلى إختفاء هذا السد العظيم أسفل طبقات من الطمي وظل سليماً ولم تستغل أحجاره نظرا لصعوبة الحفر عليها فى طبقات الطمي، الأمر الذي ساعد اليونانيين والرومان من تشييد حمامات مختلفة تم العثور عليها أمام معابد الكرنك، وعلى الرغم من هذه الإكتشافات الكبيرة والتى غيرت الفكرة السابقة عن علاقة معابد الكرنك بنهر بالليل إلا أن منظر مقبرة نفر حتب ظل هو الأكثر تأثيراً عند دراسة معابد الكرنك، وإرتبط إسم المقبرة وصاحبها بالكرنك مثلما كان يعمل فيه فى عصر الدولة الحديثة ولا يوجد كتاب أو مقالة علمية عن معابد الكرنك إلا وفيه ذكر لمقبرة نفر حتب والمنظر الموجود على جدرانها.