الممثل الكوميدي فخري خالد يكشف المُثير.. «راسنا جاط»
رصد – نبض السودان
(نجوم في الحرب)
سلسلة حوارات يجريها:
محمد جمال قندول
الدرامي والكوميديان فخري خالد لـ(الكرامة):
بكيتُ بشدة في هذا الموقف (….) وفقدتُ عددًا من الزملاء
خرجنا من مدني (زحفًا) و(لو ما سنامنا قوي كان شحدنا)
عشنا أيامًا صعبة ورأينا الجثث ملقاةً فى الشارع وتنهشها الكلاب
شكرًا مصر وأحمد بدير وعلاء مرسي
لولا الضحكة لمات الناس كمدًا
ما مهم إني لاجئ المهم (حنرجع؟!) دا السؤال؟
هذا المشهد (….) كان مأساويًا
ربما وضعتهم الأقدار في قلب النيران، أو جعلتهم يبتعدون عنها بأجسادهم بعد اندلاع الحرب، ولكنّ قلوبهم وعقولهم ظلت معلقةً بالوطن ومسار المعركة الميدانية، يقاتلون أو يفكرون ويخططون ويبدعون مساندين للقوات المسلحة.
ووسط كل هذا اللهيب والدمار والمصير المجهول لبلاد أحرقها التآمر، التقيتهم بمرارات الحزن والوجع والقلق على وطن يخافون أن يضيع.
ثقتي في أُسطورة الإنسان السوداني الذي واجه الظروف في أعتى درجات قسوتها جعلني استمع لحكاياتهم مع يوميات الحرب وطريقة تعاملهم مع تفاصيل اندلاعها منذ البداية، حيث كان التداعي معهم في هذه المساحة التي تتفقد أحوال نجوم في “السياسة، والفن، والأدب والرياضة”، فكانت حصيلةً من الاعترافات بين الأمل والرجاء ومحاولات الإبحار في دروبٍ ومساراتٍ جديدة.
وضيف مساحتنا لهذا اليوم هو الدرامي والكوميديان فخري خالد، الذي عاش تجربةً مريرة هو وأسرته أثناء الحرب خاصةً عند دخول الميليشيا مدني:
أول يوم الحرب؟
كنت في الخرطوم بمنزلي بحي النزهة.
كيف علمت بنبأ الحرب؟
أنا بصحى بدري وتلك الأيام كانت فى الشهر الكريم، وفي حوالي التاسعة صباحًا زوجتي أخبرتني بأنّ هنالك أنباءً عن اشتباك بين الجيش والميليشيا بالمدينة الرياضية، وفتحت قناة “الحدث” مباشرةً وكانت الطامة الكبرى.
شعورك في تلك اللحظات؟
لم أكن قلقًا مما ستؤول إليه الأحداث، وكنت أتوقعها حدثًا عابرًا وسينتهي كل شيءٍ في غضون يوم يومين.
ثم ماذا؟
قضينا اليوم الأول على أمل أن تعود الأوضاع لوضعها الطبيعي، وحينما اشتد القصف خلال العصر والأمسيات اتخذت قرارًا بإخلاء الأُسرة.
أين كانت الوجهة للأسرة؟
لولاية الجزيرة وتحديدًا مدينة مدني، وأوصلتهم الميناء البري وغادروا ولم تكن الأوضاع بعد في مرحلة الانحدار.
وبعدين؟
رجعت المنزل وتفاكرنا رفقة رجل الأعمال الحاج علي والفنانين طلال “الساتة” وعاصم البنا عبر التواصل بقروب واتساب في تقديم حلول وطرحت أزمة طالبات يُقِمنّ في داخلية بالقرب من منزلي وأجرنا 3 بصات وغادرن لمدني.
كم مكثت من الزمن في المنزل؟
5 أشهرٍ.
يوميات الحرب؟
كل يوم كنت بسمع للعميد طارق الهادي وكان أملي كبيرًا فى أن تعود الأوضاع للأمن والأمان وخلال فترة الخمسة أشهر كنت متنقل ما بين الكلاكلة وحي النزهة حتى اشتدت الاشتباكات على جهة المدرعات وبات من الصعب التحرك في تلك البقعة الجغرافية، وبالتالي اتخذت قرار المغادرة لمدني.
وكم مكثت في مدني؟
مكثتُ فيها حتى سقطت مدني.
عاصرت سقوط مدني يعني؟
كانت أيامًا صعبة وحزنًا مضاعفًا بسقوط هذه المدينة التي شهدت انطلاقةً جديدة لعدد كبير من المشاريع ولكن قدر الله وما شاء فعل.
كيف كانت لحظات سقوط مدني؟
يعني “راسنا جاط”.. اليوم الذي سبق السقوط ابتهجنا بانتصار الجيش وطرده للتمرد قبل الدخول، ولكن في اليوم الثاني السقوط كان مخيبًا للآمال.
كيف خرجت من مدني؟
زحفًا.. وأجرت عربة وأخليت أُسرتي ثم زحفنا صوب سنار.
تفاصيل من ذلك المشهد؟
كان مشهدًا مأساويًا.. لك أن تتخيل رجالًا كبارًا ونساءً وأطفالًا ومرضى هاربين من ذلك الجحيم، ما أحزنني في تلك اللحظات خروج المرضى من مستشفيات مدني وصادفناهم ونحن في الطريق لسنار، وكذلك المؤلم كان النظر للأطفال في أعينهم وهم قطعًا يتساءلون ولا يملكون إجابات.. الطريق لسنار من مدني في الوضع الطبيعي ساعة ونصف الساعة، ونحن قضينا أكثر من7 ساعاتٍ في الطريق.
واصل؟
وصلنا شرق سنار منطقة ود العباس ومكثنا 20 يومًا ثم توجهنا لبورتسودان.
الرحلة ما بين سنار لبورتسودان؟
كانت طويلةً جدًا، مررنا بكوبري “دوبا” ثم الفاو، والقضارف وكسلا، وصلنا بعد يومين ومكثنا فيها 4 أشهر ثم وصلنا القاهرة.
قرار مغادرة الوطن؟
(أي زول يقول ليك هو بمرق من بلدو مبسوط أو متزن كذاب)، أكيد هو قرار صعب ومؤلم جدًا، ولكنها الأقدار بالرغم من أننا وجدنا ترحابًا شديدًا في أرض الكنانة.
الآن لاجئ؟
ما مهم إني لاجئ المهم “حنرجع؟!” دا السؤال؟
الحرب طالت؟
طالت جدًا.
الضحكة في الحرب؟
زي الضحك في بيت البكا، وكلنا بنبكي ولكن الضحكة موجودة ولولاها لكان الناس ماتوا كمدًا.
مستقبلًا في السودان مهمتكم صعبة؟
صعبة جدًا.. محتاجين نشارك الدكاترة النفسيين في بعض الحالات.
رغم الظروف هل لازال فخري يضحك ويضحك؟
الحياة ما “بتقيف” ولدينا أملًا كبيرًا في الله سبحانه وتعالى نرجع أحسن وقريبًا وأقوى.
(البكا ما غشاك) في الحرب؟
بكيت كثيرًا جدًا في الشارع في فترة من الفترات كنت أحمل الخوف والرعب أبكي بشدة، وفي عز تلك الظروف فقدت في الحرب عددًا من الزملاء بالفرقة مثل عادل فرج الله، ومحمد كوكي وخالد حمدان.
الحرب هل جعلتك بلا عمل؟
(نحن لو سنامنا ما قوي كان شحدنا)، وفي نفس الوقت، نشكر كل المغتربين كانوا أساس رفعة الشعب السوداني وسدوا فرقة كبيرة، حقيقةً الحرب دي عكست أنّ السودان شعب تكافلي في كل الظروف.
في هذه الظروف، هل ستواصل في مهنتك كدرامي وكوميديان أم أنك ستسلك دروبًا أخرى لكسب العيش؟
بالرغم من أني درست القانون لكنني أفضل أن أواصل في مهنتي والأرزاق بيد الله.
النكتة في هذه الظرف العصيب؟
شر البلية ما يضحك.. النكتة والضحك شيئان أساسيان لكل إنسان، ومرتبطة بمكافحة الاكتئاب وأشياء أخرى.
الموت؟
ما في سوداني خرج متأخرًا بعد اشهر في الخرطوم ما مر بالموت، عشنا أيامًا صعبة ورأينا الجثث ملقاةً على الأرض والكلاب تنهشها، أيامًا صعبة نسأل الله الفرج وألا تعود مرة أخرى.
فوائد الحرب؟
علمتنا الصبر وحب الوطن الحقيقي وعرفنا الجار الحبيب والعدو، يعني رغم الحرب وكوارثها إلّا أنها سانحة مناسبة لترتيب الوطن، وكذلك فرصة للإنسان لمراجعة النفس.
كلمة أخيرة؟
أقدم عبر هذه المساحة شكرًا خاصًا لنجم الكوميديا والممثل المصري الشهير أحمد بدير، وكذلك النجم علاء مرسي، وأخيرًا شكرًا مصر حكومةً وشعبًا على ما فعلوه ولازالوا يفعلونه.