مقالات الرأي

«السودان والسعودية» بين طيبة الدببة ومُكر الثعالب – عماد السنوسي

_______________________________

يحكي مثل عربي قديم عن دبة كانت تحب صاحبها بجنون وتدافع عنه بشراسة. ذات يوم، رأته نائمًا تحت شجرة، ورأت ذبابة تضايقه، فما كان منها إلا أن حملت حجرًا ضخمًا وألقته على وجه صاحبها لتقتل الذبابة، لكنها قتلت صاحبها أيضًا.

تذكرت هذا المثل وأنا أقرأ هجوم بعض السودانيين على المملكة العربية السعودية بعد اجتماعها مع وفد من قوات الدعم السريع خلال مباحثات جنيف.

يرى هؤلاء أن اجتماع وفد المملكة مع ممثلي الدعم السريع يعد خيانة للسودان ودعمًا للتمرد وعائلة دقلو، وهو أمر قد يبدو للبعض مضحكًا أو حتى سخيفًا. المملكة، كونها طرفًا أصيلًا في المفاوضات السودانية وداعمًا قويًا لحل الأزمة، من الطبيعي أن تجتمع بكافة الأطراف وتستمع للجميع، محاولةً تقريب وجهات النظر والمساعدة في نبذ الخلافات والاقناع، وحل المشكلات بما يحقق الهدف المنشود للسودانيين جميعًا: وقف الحرب المستمرة وإنهاء الصراع المسلح الذي أتى على الأخضر واليابس في السودان.

قامت هذه “الدببة” بتوجيه سموم أقلامها نحو المملكة وسفيرها المحترم علي بن حسن جعفر، الذي قدم الكثير للشعب السوداني في ظل دعم سعودي مستمر منذ اندلاع الحرب، سواء على المستوى الإنساني أو من خلال العمل الدبلوماسي والجهود السياسية التي يقودها السفير كممثل لوزارة الخارجية السعودية، التي كانت أول من تحرك لوقف الحرب عبر منصة جدة التي تأسست بعد أيام قليلة من اندلاع الصراع.

السعودية، التي حافظت على وجودها في السودان رغم الهجوم المسلح الذي تعرضت له سفارتها في الخرطوم، وأبقت على دبلوماسييها رغم الخطر الذي كان يهدد أمنهم، لا تستحق هذا الهجوم من السودانيين. بل يستوجب تقدير الجهود المتواصلة للمملكة، سواء على المستوى الإنساني أو السياسي.

ما لا يدركه الكثيرون هو أن المملكة بعلاقاتها الوثيقة والداعمة للجيش السوداني والحكومة الشرعية في بورتسودان، كان حضورها ومشاركتها في مباحثات جنيف ضروريًا جدًا، خاصة مع رفض القوات المسلحة السودانية المشاركة. وبالتالي، ومع غياب الموقف السوداني الرسمي عن جنيف، جاءت المملكة لتكون الصوت السوداني في مواجهة الطرف الآخر الذي كان حاضرًا بقوة ويسعى لاستغلال هذا الغياب في إضفاء شرعية على تحركاته وتضليل الرأي العام العالمي حول حقيقة الوضع في السودان.

منذ بداية الأزمة، حملت السعودية هم السودان وشعبه، ولم تتردد في تقديم مساعدات إنسانية ضخمة تجاوزت قيمتها مئات الملايين من الدولارات. قدمت المملكة مساعدات غذائية ودوائية، ومستلزمات طبية شملت ملايين المتضررين من الأزمة. كما أنشأت مستشفيات ميدانية ووفرت الخدمات الطبية المجانية، بالإضافة إلى توفير المأوى والرعاية لآلاف اللاجئين السودانيين.

هذه ليست المرة الأولى التي تُوجَّه فيها سهام “الدببة” نحو المملكة وسفيرها، وهي سهام مسمومة ربما تأتي من عواصم لا تحمل للسودان وشعبه إلا الشر. يحاول هؤلاء الدببة، بين الحين والآخر، دفع المملكة للتخلي عن السودان وترك الحرب تستعر لتحقيق مصالح دول تسعى لتفتيت السودان ونهب ثرواته.

في الختام، أولئك الذين يهاجمون السعودية وسفيرها هم ربما أسوأ من الدبة التي قتلت صاحبها؛ فالدبة تحركت بحسن نية لحماية صديقها الطيب ولم تكن تدرك أن تصرفها سيؤدي إلى مقتله. أما هؤلاء، فيتحركون بخبث الذئاب ومكر الثعالب، مدفوعين من قوى شيطانية ضمن حملة ممنهجة لا تحمل للسودان سوى الشر والخراب. وعلى السودانيين أن يطهروا أنفسهم وصفوفهم من الذئاب والثعالب.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى