«عظمة الصمود» من رماد الحزن إلى إشراقة الأمل.. حكاية إمرأة ملهمة «نهى عابدون»
__________________
همس الحروف
عظمة الصمود ، من رماد الحزن إلى إشراقة الأمل ، حكاية امرأة ملهمة (نهى عابدون)
د. الباقر عبد القيوم علي
في عالم مليء بالتحديات و الصعاب التي تعرقل أي تقدم و في ظل ظروف صعبة جداً ، و في مكان يعد هو الأكثر صعوبة في الخارطة المكانية و الزمانية تبرز إحدى النساء كرمز للتفرد والإلهام ، و القوة ، و الصمود فهي بلا شك إمرأة فريدة من نوعها ، إستطاعت قهر المستحيل ، و إستطاعت أن تثبت لمن حولها من الناس بأنها رمز من رموز العزة و الشجاعة و الشموخ في مواجهة أصعب الظروف و أحلكها ، بعد فقدان زوجها بسبب جائحة كورونا. لم تكن هذه المحنة سهلة على العالم أجمع ، إلا أن قدرتها على تحويل الألم إلى قوة وعزيمة جعلتها تستحق التقدير والإعجاب و التميز .
لقد فقدت هذه المرأة زوجها و بفقده فقد إفتقد السودان أحد أميز علمائه في العلوم الحديثة ، فموت العالم يعد مصيبة لا تجبر ، وثلمة لا تسد ، و نجم طمس ، و كما قيل : أن موت قبيلة بأكملها أيسر من موت عالم واحد ، فكان الحدث صدمة عظيمة و لكن طريقة تعاطيها مع الحزن كانت مصدر إلهام حقيقي ، فلم تنكسر تحت وطأة الألم ، بل واجهت التحديات بشجاعة لا توصف ، و إستلمت دفة القيادة بإحترافية متناهية ، و إستمرت في تقديم الدعم اللازم لنفسها و لأولادها لتخرج بهم من محنتهم ، و جلل مصابهم ، و عظيم فقدهم إلي بر الأمان ، لم تستسلم للحزن ، و قد سعت مع ذلك في تقديم المساعدة للآخرين رغم عظم مصابها الشخصي و ضعف طاقتها الإحتمالية ، إلا أن قدرتها على تحويل الحزن إلى قوة إيجابية جعلها تنتصر ، و تفانت في الإستمرار الحياة ، مما أظهر ذلك الإصرار على البقاء جوانب عديدة من عظمتها ، و قوتها ، فحقاً كانت غير عادية ، و واجهت التحديات بصبر ، و إصرار ، و عزيمة . صمدت في تربية أبنائها ، مقدمةً لهم الحب والرعاية التي يحتاجونها ، في ظل هذه الظروف الصعبة ، فلم تكن مجرد أم ، بل كانت عموداً أساسياً في حياة أبنائها و سنداً حقيقياً للأسرة ، تضحي بجهدها و وقتها لضمان سعادتهم واستقرار الجميع .
إنها السيدة نهى عابدون و لا فخر ، من فضليات نساء بلادي ، و تعد إنموذجاً نسوياً حياً يحتذى به ، و قد إستحقت عن جدارة لقب (المرأة الحديدية) ، فلم يتمكن الحزن العميق من السيطرة عليها و كما لم تكون أسيرة للظروف ، و لم تدخل في دوامة (خيبة الأمل) بعد غياب زوجها من المشهد ، فقد إستطاعت إستخدام هذه المحنة كدافع لها لتصبح أكثر قوة وأشد عزيمة و منعة ، فعززت هذه المعاني لدى أبنائها ، و ما زالت تقدم لهم الدعم النفسي و الحب الكافي والرعاية الكاملة و القدوة الحسنة ، فجسدت لهم معنى القوة والإصرار في شخصها العظيم .
لقد رحل العالم الدكتور مهندس جمال الدين حسن سيد أحمد إسماعيل الولي ، زوج الأستاذة نهى عابدون ، و قد ترك بعد رحيله فراغاً ضخماً يصعب أن يسده أحد ، و كما ترك مسؤولية وطنية كبيرة بحجم هذا الوطن لا يقدر عليها إلا متجرد ، إلا أن الأستاذة نهى عابدون كانت قدر هذه المسؤولية ، و سعت لحملها و تحويل كل التحديات التي واجهتها إلى فرص لتنمية مشروع زوجها الذي تركه ، و المتمثل في الأطلس الرقمي لكامل السودان ، و هذا الاطلس يحتوي بصورة مفصلة على أدق البيانات و التفاصيل الخرط السودان الجغرافية الرقمية عبر الأقمار الصناعية و يقدم معلومات أساسية عن الإقتصاد ، و الزراعة ، و السكان و الثروة الحيوانية و المناخ ، و الابار الجوفية ، والجيلوجيا ، و المعادن ، و توليد الكهرباء ، و الإتصالات ، و الطرق و النقل ، و السياحة ، و الهجرات التاريخية ، والمواقع الأثرية ، و الوزارات و الجامعات و المدارس ، و المستشفيات ، و كل المعلومات بصورة مفصلة ، و دقيقة جدا و مزودة بصور دقيقة الأقمار الصناعية .
و قبل وفاته تم الإتفاق مع حكومة السودان بشأن بيع هذا المخزون المعلوماتي الضخم للحكومة السودانية ، و كان من المفترض أن تدفع الحكومة لأصحاب الأطلس مبلغ مليون دولار كشرط جدية ليكمل المبلغ فيما بعد إلى 20 مليون دولار ، إلا أن الحكومة كعادتها لم تلتزم ، و ملاك هذا الاطلس عليهم إلتزامات تجاه الغير ، و في نفس الوقت تتعرض الأستاذة نهى عابدون بصورة شبه يومية لإغراءات وصلت الى 200 مليون دولار من قبل بعض الدول و الشركات الأجنبية و أخرى محلية لشراء هذا الأطلس ، إلا أن الأستاذة نهي قامت برفض هذه الطلبات و صمدت ضد الإغراءات التي قدمت لها من أجل بيع الأطلس لجهات خارجية ، و هذا إن دل أنما يدل على وطنيتها القحة وإخلاصها لقيم و مصالح الوطن العليا ، و رفضها للتأثيرات الخارجية ، مما يعكس إلتزامها بحماية موارد وثقافة البلاد ، فهل يا تري (الدولة) حريصة على نهى و أسرتها ، كما هي حريصة على المصالح الوطنية العليا و اسرار الدولة ؟ .
و الله من وراء القصد