شؤون دولية

ترقية أبناء حفتر تثير جدلاً في ليبيا

رصد – نبض السودان

أثارت ترقية قائد “الجيش الوطني الليبي” لعدد من أبنائه لرتب عسكرية رفيعة ومناصب مهمة، جدلاً في شرق ليبيا وغربها على حد سواء، وافترقت الآراء بين مؤيد ورافض لتلك الخطوات.

ارتفع منسوب المخاوف من تنامي سيطرة عسكرية بالشرق الليبي، بخاصة بعدما وجهت القائمة بأعمال بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ستيفاني خوري في أول إحاطة لها أمام مجلس الأمن الدولي الأربعاء الماضي رسالة إلى سلطات شرق البلاد، داعية فيها إلى “السماح بفتح المراكز الانتخابية لإجراء الانتخابات البلدية حيث تم منع 10 من أصل 12 مركزاً للانتخابات البلدية”، مطالبةً إياها بالتعاون مع مفوضية الانتخابات.

وقالت خوري “إن غالبية الليبيين أعربوا عن الحاجة للتوصل إلى اتفاق سياسي كي يتسنى إجراء انتخابات وطنية ذات مصداقية تفضي إلى إعادة الشرعية لجميع المؤسسات”.

في المقابل، انتقدت تقارير صحافية دولية سيطرة قائد “الجيش الوطني الليبي” (شرق) المشير خليفة حفتر وأبنائه على المشهد السياسي والأمني هناك، حيث أثار صعود 3 من أصل 6 من أبناء حفتر، في شرق وجنوب ليبيا، جملة تساؤلات حول ما إذا كان حفتر يجهز أبناءه للحكم، إذ يرى مراقبون أن توسع رقعة نفوذهم يعكس “تطلع الأب لأن تحكم أسرته ليبيا” المنقسمة سياسياً واقتصادياً وأمنياً منذ سقوط نظام معمر القذافي في عام 2012.

وحاول حفتر السيطرة على الغرب الليبي حيث يعيش 67 في المئة من سكان ليبيا، إثر هجوم شنه على العاصمة طرابلس في 4 أبريل (نيسان) 2019، غير أنها انتهت بتراجع قواته وفشله في إحكام قبضته على الغرب الليبي.

وانتقد مراقبون إسناد حفتر أبناءه رتباً عسكرية تتطلب تدرجاً في السلم العسكري، حيث أكد الكاتب السياسي عبدالله الكبير أن “حفتر وزع النفوذ على أبنائه خوفاً من حدوث صراع بينهم بعد وفاته”.

وعيّن حفتر ابنه الأصغر صدام رئيساً لقواته البرية المسيطرة على الشرق والجنوب، بينما منح نجله خالد، منصب رئاسة الوحدات الأمنية بصلاحيات واسعة داخل الجيش الليبي.

ويترأس ابنه الآخر، بلقاسم حفتر، المعين من قبل البرلمان في فبراير (شباط) 2024 صندوق إعادة إعمار ليبيا.

وبخصوص صعود أبناء حفتر في الرتب العسكرية، قال الكبير إنها تأتي في إطار سعي حفتر للمحافظة على نفوذه في المنطقة الشرقية والجنوبية، باعتباره أصبح مهدداً بسبب قيام أجهزته بعمليات الاختطاف والإخفاء القسري والاعتقال التعسفي والقتل خارج القانون.

وأشار الكاتب الليبي إلى أن “سبب إغلاق مكاتب الاقتراع بالشرق الذي انتقدته خوري في إحاطتها الأولى أمام مجلس الأمن، راجع إلى خوف حفتر من ذهاب ليبيا إلى الانتخابات لأنه يعرف جيداً أن صناديق الاقتراع هي من ستنهي حقبته”، موضحاً أن “قوات حفتر تتكون من 22 ألف مقاتل، خسر منهم 7 آلاف في حرب طرابلس عام 2019، بينما تُقدر مساحة ليبيا بـ 1.8 مليون كيلومتر مربع، وهو عدد غير كافٍ للسيطرة على كامل التراب الليبي”، ومشيراً إلى أن “حفتر بذلك يسيطر على 33 في المئة فقط من الرقعة الجغرافية الليبية”.

وشدد الكبير أنه “حتى لو أجريت انتخابات لن يفوز بها حفتر، لذلك يحاول عرقلة الانتخابات، التي يقابلها تمكين أبنائه من النفوذ الأمني حتى يضمن بقاء عائلته عن طريق الدكتاتورية العسكرية”. وكشف الكاتب السياسي عن خوف حفتر من انقلاب أبناء القبائل عليه، بخاصة بعد تتالي عمليات الإخفاء القسري لعدد من أبنائهم، وهو أمر دفعه لتثبيت أقدام أبنائه وأقاربه في الشرق والجنوب الليبيين”.

ونوه المتحدث ذاته إلى أنه “على رغم توزيع حفتر للنفوذ بين جميع أبنائه إلا أنه يميل إلى نجله الأصغر صدام ويثق به أكثر من بقية أولاده، وذلك جلي من خلال تعيينه على رأس القوات البرية، كما أنه يحرص على حضوره إلى جانبه دوماً في كل اجتماعاته مع الروس أو غيرهم من الشخصيات الأمنية الدولية، في محاولة منه لتقريبه من الحلفاء والدول الموالية لمعسكر الرجمة” حيث مقر قيادة حفتر.

وانتقد الكاتب السياسي عبدالله الكبير منح حفتر أبناءه رتباً عسكرية تحتاج من الضابط 25 سنة عمل للوصول إليها، بينما يتقلدها أبناؤه “وبعضهم غير حاصل على شهادة الثانوية العامة”، وفق تعبيره.

في سياق متصل، أوضح الباحث بالشؤون الاستراتيجية والأمنية محمد أمطيريد، أن “صدام حفتر لم يتول رئاسة أركان الجيش الليبي بل عيّن فقط على رأس الأركان البرية”، مؤكداً أن “خالد حفتر النجل الآخر لحفتر هو أعلى رتبة من صدام الذي يبدو أن مرافقته لوالده في جميع الاجتماعات الأمنية هي من جعلت الجميع يركز عليه”. وأضاف أمطيريد أن “ترقية صدام لرئاسة الأركان البرية لا تصب نهائياً في خانة مغادرة حفتر للحياة العسكرية لأنه يمارس مهماته بصفة طبيعية”، موضحاً أن “دماء الجيش الليبي لم تتجدد خلال 50 سنة الماضية، حيث بات يُعد جيشاً هرماً، لذلك اختار حفتر ضخ دماء جديدة فيه بعد عملية الكرامة”.

وأشار المتحدث ذاته إلى أنه “لو تم إحصاء عدد كبار السن بالجيش الليبي فلن يتمكنوا من الاستمرار في العمل للـ 10 سنوات المقبلة، ومن هنا تبين حاجة الجيش الليبي إلى قوة شابة تتولى زمام الأمور، وأبناء حفتر جزء من هذا الجيش مع أطراف أخرى مثل خيري التميمي، ومراجع العمامي، وغيرهم من الشباب الليبي. لكن الضوء يُسلَط دوماً على أبناء حفتر بحكم الخلاف القائم بين الشرق والغرب ولأن مشروع الكرامة هو مشروع عسكري سياسي قام على أساس مطلب شعبي لمحاربة الإرهاب، ذهب إلى تحقيق مطالب الشعب الليبي بوجود جسم عسكري متمثل في الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر”.

ونوه إلى أن “الجيش الليبي مثلما لديه أنصار محليون ودوليون، له أيضاً معارضون لا يودون قيامه ويعارضون امتلاك ليبيا جيشاً وطنياً حتى تستمر الفوضى الأمنية، بخاصة في جنوب البلد الغني بالمياه الجوفية والمعادن الثمينة، والذي يعد بمثابة العمود الفقري للدولة الليبية”.

وتعليقاً على خوف حفتر من انقلاب أبناء القبائل عليه أكد أمطيريد، أن “حفتر ذهب فقط إلى تمكين قيادات شابة داخل المؤسسة العسكرية حتى تكون جاهزة لتولي زمام الأمور الأمنية بعد خروج كبار القادة العسكريين إلى التقاعد وليس خوفاً من الانقلابات، وهو إجراء احتياطي لأن ليبيا لم يكن لها جيش، ففي فترة حكم القذافي كانت مجرد كتائب تحمي القذافي وأبناءه، وبعد ثورة فبراير (شباط) 2011 تأسس الجيش بعد “حرب الكرامة” على الإرهاب (2014)، حيث أسهمت دول عدة في تكوين هذه النواة العسكرية وهي حالة طبيعية حدثت لجيوش عدة في العالم”.

وأوضح أن “الجيش الليبي يحمي الحدود البرية ويحافظ على سيادة الدولة الليبية ولكن هناك معارضين له يقولون إنه جيش عائلي، وهي مجرد خطة لضرب الجيش الليبي وإضعافه حتى تستمر الفوضى في ليبيا ويشتد عود الميليشيات المنتفعة بموازنات مالية من المصرف المركزي”.

وتعليقاً منه على الانتقادات التي طاولت الموازنة التي صُرفت لإعمار درنة وبقية المناطق المتضررة في الشرق الليبي، أكد أمطيريد أن قوات حفتر غيرت واجهة بنغازي ورممت مدينة درنة التي ضربها إعصار دانيال في سبتمبر (أيلول) الماضي بموازنة تُقدر بـ 15 مليار دينار ليبي، (3.09 مليار دولار أميركي) في حين فشل رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة في إنشاء بنية تحتية ذات مواصفات جيدة بالغرب الليبي على رغم صرفه 400 مليار دينار ليبي (82.47 مليار دولار). كما تمكن الجيش الليبي من إحياء المشاريع الزراعية بالجنوب الليبي”.

وختم المختص بالشؤون الاستراتيجية والأمنية قائلاً “بالنسبة لتوريث الحكم فهو أمر طبيعي، وليبيا ما زالت دولة غير ديمقراطية، فهي دولة تحكمها القبيلة وتوريث الحكم أمر جائز”.

من جهة أخرى، صرح الباحث في المجال العسكري، العقيد عادل عبد الكافي، أن “المنطقة الشرقية وجزءاً من الجنوب الشرقي هي جميعها مناطق واقعة تحت دكتاتورية عسكرية لحفتر وأبنائه، حيث لا يستطيع أحد هناك مخالفة أوامرهم والدليل هو اختفاء عضو مجلس النواب إبراهيم الدرسي إثر انتقاده حفتر وأبنائه على خلفية اختفاء قيمة مالية تقدر بالمليارات”. وأضاف أن “المنطقة الشرقية تعيش على واقع يحاكي نظام معمر القذافي، حيث تعج سجون بالمنطقة الشرقية بكل من يعارض حفتر وأبناءه”.

وأوضح الباحث الليبي أنه “في حال مغادرة حفتر للحياة العسكرية سيجد أبناءه كل شيء مرتباً، فتنصيب صدام حفتر على رأس القوات البرية يصب في خانة ضمان القبضة الأمنية تحت أوامرهم”، مشيراً إلى أن “حفتر بترقيته لأولاده ضرب بقوانين المؤسسة العسكرية عرض الحائط”. وقال إن “جميع هذه الخطوات تأتي في إطار تجهيز أبنائه للتربع على سدة الحكم في حال قرر مغادرة المشهد العسكري”.

وأوضح عبد الكافي أن “حفتر يسهر على تكوين علاقات قوية بين نجليه صدام وخالد والروس الذين يحتلون قواعد عسكرية ليبية، حيث يتخذون من ليبيا قاعدة عمليات عسكرية تنفذ بحق دول الجوار، فزيارة صدام الأخيرة إلى رئيس التشاد محمد إدريس ديبي كانت تهدف إلى إيجاد خطوط إمداد جديدة لتزويد قائد قوات “الدعم السريع” السودانية، محمد حمدان دقلو (حميدتي) بالوقود والأسلحة. ويعمل حفتر أيضاً على تقوية علاقات أبنائه بالنيجر التي تربطها بليبيا حدود برية تصل إلى 460 كيلومتراً، ويصلها هي الأخرى السلاح من ليبيا، في إطار مواصلته تفتيت منطقة شمال أفريقيا بدفع من الدول التي تدعم مشروع الكرامة (عملية أطلقها حفتر) أمنياً وسياسياً”.

في المقابل، قال الناشط السياسي عمر بوسعيدة، إن الوضع السياسي والأمني الصعب الذي تمر به ليبيا هو من دفع بهذه الكتلة العسكرية للتدخل في المجال الزراعي والخدماتي وغيره من المجالات، للحفاظ على الأمن القومي الليبي وحماية الحدود البرية الشرقية والجنوبية المشتركة مع عدة بلدان أفريقية تعاني من أوضاعاً اقتصادية وسياسية صعبة على غرار السودان وتشاد.

وأكد في تصريحات صحفية أن أبناء حفتر وجدوا أنفسهم مجبرين على القيام بعملية الإعمار والبناء في مختلف مناطق الشرق والجنوب الليبي في ظل الفراغ الحكومي الذي تعاني منه البلاد منذ سنوات، مشددا أنه بفضل انخراط أبناء حفتر في هذه المجالات تغيرت واجهة بنغازي وبقية المدن الشرقية تغيراً لم يمر على ليبيا منذ 50 سنة.

ونوه بوسعيدة أن ليبيا ستصبح قادرة على تحقيق اكتفائها الذاتي بفضل إحياء صدام حفتر المشاريع الزراعية المتوقفة منذ سنوات بالكفرة إضافة إلى توجه المؤسسة العسكرية لزراعة واحدة من أكبر مزارع النخيل في تازربو ومزرعة زيتون في سبها وغيرها من المشاريع التي ستجعل ليبيا في مأمن غذائي مستقبلاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى