مقالات الرأي

همس الحروف – غفوة الشعب السوداني وضعته على حواف الإنهيار الشامل – الباقر عبد القيوم علي

____________

هذه الحرب المستعرة في السودان و التي دخلت عامها الثاني كانت ضد وجوديته و إنسانه ، وضعت البلاد على حافة الانهيار الشامل ، و فرضت عليه تداعياتها ظروف اقتصادية استثنائية ، و هذا خلاف الخسائر البشرية و المادية الهائلة التي يصعب وضعها في أرقام ، لأن الحرب هدمت كل البنية التحتية لبلادنا ، وقد أسفرت عن أزمة إنسانية عميقة لها تأثيرات ضخمة على كل قطاعات الاقتصاد السوداني تسببت في خفض إيرادات الدولة بنسبة تفوق ال 90% ، ولا يزال التدهور مستمراً ، و من المؤكد أن فاتورة الحرب قد تكون أكبر بكثير من كل التكهنات و أن التكلفة المادية الحقيقية لن تتضح إلا بعد أن تضع الحرب أوزارها .

لا شكّ في أن العوامل الاقتصادية التي تمر بها بلادنا حالياً تؤثّر تأثيراً مباشراً في جميع النتائج السياسية المرتبطة بكامل سياسات الدولة ، و لهذا نجد أن عجز الدولة في مسألة توفير الموارد أثناء فترة الحرب و ضعتها في موضع عجز شديد في سد كثير من الفجوات الضرورية ، و يأتي علاوة على ذلك غياب العملية السياسية الراشدة على الصعيد الوطني و غياب العقلاء عن الساحة مما يعمق ذلك من هذه الفجوات ، و يزيد من حدتها و يعمق جذورها ، و نجد أن الصراعات الجانبية ستورد البلاد مورد الهلاك ، و كذلك لابد من الإلتفات إلى حالة الخنق الدولي للحكومة الحالية الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية و دول الإتحاد الأروبي ، و التي تتبناها قوى (قحط) و (تقدم) ، و هذا ما سيضع البلاد في أزمة سياسية و دبلوماسية و سيدفع فاتورة هذا التناطح الشعب السوداني المكلوم ، و ما جاء على لسان الرجل الثاني في الدولة السيد مالك عقار يؤكد عمق هذه الأزمة و كيفية الخطاب الذي تستخدمه الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الأزمة السودانية ، و كذلك بالمقابل نجد أن إستنكار هذا السلوك الإستعلائي من قبل نائب رئيس مجلس السيادة مطلوب في هذه الأثناء و هذه المرحلة إلا أن خطابه السياسي التلقائي جاء فقيراً تجاه المعيار الدبلوماسي و لم يكن موفقاً في عبارته الشهيرة ب (لا جدة و لا جداد) .

من المؤكد أن جميع أفراد هذا الشعب يتمنون اليوم قبل الغد إنتهاء الحرب ، و لكن ليس بأي (صيغة) ، و لهذا يجب أن تعلم جميع النخب السياسية التي تعيش في حالة من حالات التوهان و التشرزم و التباين ، بأن الشعب السوداني بعد الحرب يختلف تماماً عما كان عليه قبل الحرب ، و لا و لن يقبل أبداً بوجود المليشيا التي انتهكت كل المحرمات و تخطت كل الخطوط الحمراء ، في أي فقرة من فقرات الحل السياسي و لن يمرر أي إتفاق يأتي بهادمي الدولة السودانية و إعادة تدويرهم مرة أخرى في العملية السياسية ، و إذا تم توقيع هذا الإتفاق في أي دولة من دول العالم ، فلن يكون ذلك إلا حبراً على ورق و لن يقبل الشعب بذلك ، فعلى الذين يجلسون في مصاطب النخب المخملية و يتحدثون عن السودان و شبابه بتلك المعلومات القديمة أن يراجعوا حساباتهم و إن يصححوا معلوماتهم و خصوصاً الذين خرجوا من السودان عند اندلاع الحرب و لا يعلمون أن الحرب غيرت إنسان السودان ، و لذلك على الذين يعيشون بأفكارهم القديمة أن يغيروا آخر صورة ذهنية لهم عن الشعب السوداني ، لان المواقف تغيرت و ان المعايير إختلت مما كانت عليه ، و وعي الشعب إختلف 180 درجة عن سابقه ، و لهذا يجب ان يعلم الجميع : أن المواطن السوداني قبل الحرب هو ليس ذلك القديم بعد الحرب ، و أقول لكل الذين فوضوا أنفسهم من تلقاء أنفسهم لينوبوا عن السودانيين في كل المنابر السابقة و اللاحقة ، أفعلوا ما شئتم أن تفعلوه و أشركوا معكم كل من أردتم إشراكه ، فإن الشعب السوداني قد فاق من غفوته و لن يكون إمعة بعد هذا الدرس القاسي و لن يسمح لنفسه مرة أخرى ان يكون فأر لتجاربكم الفاشلة ، و كما لن يسمح بمرور إلا ما يريد ، و يجب أن يكون في علم الجميع أن عودة المليشيا أو أي أحد من الذين عاونوها أو شايعوها إلى المشهد مرة أخرى خط أحمر و من سابع المستحيلات، و لن يتحقق ذلك إلا على جثث الشعب باكمله .

فهزيمة العدو ليست بالبندقية وحدها و تجيش الجيوش ، و لكن بالضرورة ان يشارك الشعب بمختلف مكوناته في دفع عجلة الإقتصاد و رفع الإنتاج و لن يأتي ذلك إلا بمشاركة الجميع ، و خصوصاً أن بلادنا تقع تحت جذوة تنافسات إقليمية ودولية حادة ، و هذا ما ثبت للجميع بالتجربة العملية و خصوصاً اليوم أصبح الجيواقتصادي عاملاً مهماً في التنافس الجيوسياسي لتحقيق بعض المآرب الجيوسياسية.، و لهذا من المستبعد أن يحدث استقراراً مستداماً في بلادنا في ظل هذه الظروف الحالية ما لم تقترن كل الحلول المطروحة بوعي سياسي كبير و بإحساس وطني عميق و بذوق إنساني متفرد ، و بصدق و شفافية ، و كذلك لابد من إنهاء كل حالات التشرزم الوطني الحادة التي تمر بها بلادنا و خصوصاً أنه لا يمكن إطلاق أي عملية سياسية أو تحقيق استدامتها من دون انخراط دول خارجية معنا ، و جهات محايدة في إنهاء هذه الحرب ، لان نخبنا السودانية غير قادرة على التوافق أبداً ، و هذا ما يأزم حالة بلادنا .

و الله المستعان

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى