مصرفيون يحذرون من خطورة إستدانة الحكومة السودانية من البنك المركزي
رصد – نبض السودان
طالب مديرو المصارف في السودان بوقف استدانة الحكومة من البنك المركزي، مشيرين إلى أنها تشكل عبئًا كبيرًا على ميزانية الدولة وإيراداتها المتراجع بسبب الحرب التي اندلعت في إبريل 2023.
وأدت الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى زيادة استدانة الحكومة من النظام المصرفي لتغطية العجز في الإيرادات من المصادر الضريبية والجمركية في الموازنة العامة، والتي تُقدّر بنسبة 80% وفقًا لتقديرات رسمية.
وحذّر محللون مصرفيون وماليون من الآثار السلبية التي يمكن أن يسببها توسع الحكومة في الاقتراض على الاقتصاد والتضخم، بالإضافة إلى تآكل رؤوس أموال القطاع المصرفي.
قال عثمان التوم، المحلل المصرفي والمالي والمدير السابق للبنك السوداني الفرنسي، لموقع “العربي الجديد”، إن “الاقتراض من النظام المصرفي كان يتم من خلال الاستثمار في الأوراق المالية”، مشيراً إلى أن الاقتراض من النظام المصرفي توقّف نتيجة لعدم الاستثمار في الأوراق المالية.
وأشار إلى أن “ما يحدث حالياً هو اقتراض من البنك المركزي فقط”، وبيّن أن البنك لا يملك موارد لإقراضها للمالية، مما يجبره على طباعة النقود.
وذكر احتمالية تجاوز البنك لحدود السلامة في استدانته، مما يؤثر بشكل مباشر على ارتفاع معدل التضخم.
تعددت الأسباب التي دفعت الحكومة السودانية إلى زيادة اقتراضها من البنك المركزي، وأهمها عجزها عن دفع مرتبات القوات النظامية منذ أبريل 2023 وحتى سبتمبر 2024.
أدى استيراد السلع دون تحويل قيمة صفرية إلى تراجع قيمة الجنيه، بالإضافة إلى عدم استقرار سعر الصرف نتيجة لاستيراد المشتقات النفطية.
توقفت البنك المركزي السوداني عن تقديم النقد الأجنبي لمستوردي السلع الأساسية، قبل أن يعلن مؤخراً عن إنشاء محفظة لتمويلها بالتعاون مع مصرف الخرطوم والبنوك الأخرى.
وقال عثمان التوم أن زيادة التضخم تؤثر على الاقتصاد بشكل عام وعلى البنوك بصورة خاصة، حيث تتسبب في تآكل رؤوس الأموال لديها وتقييد قدرتها على تقديم التمويل بالقدر المطلوب للقطاعات المختلفة، بالإضافة إلى بقاء الأموال خارج النظام المصرفي بسبب سرعتها في التداول خارجه.
وصف التوم الاقتراض من البنك المركزي بأنه غير واقعي، لأنه يعد حلاً زائفاً. وبالتالي، فهو يوفر مخرجاً للمسؤولين يمكنهم من مواجهة مشكلة العجز في الإيرادات بجدية، ويستوجب البحث عن حلول غير تقليدية تحتاج إلى جرأة كبيرة وتفكير مبتكر.
وقال: “المسألة كبيرة وتبعاتها خطيرة للغاية، ولابد من البحث عن خيارات حقيقية بديلة عن الاقتراض”.
دعا محافظ البنك المركزي برعي صديق الحكومة إلى ضرورة البحث عن مصادر تمويل لعجز الموازنة خارج البنك المركزي، مطالباً بتجميع الموارد بالنقد الأجنبي لتمويل الاستيراد الضروري بعيداً عن السوق السوداء، وخاصةً فيما يتعلق بالمشتقات النفطية بسبب ارتفاع تكلفتها وتأثيرها السلبي على سعر الصرف. كما شدد على أهمية توفير موارد خارجية، وتوسيع القاعدة الضريبية، وضبط الإنفاق العام، ومراقبة تدفق السلع الهامشية التي يمولها تجار وسماسرة العملة. من جهته، أشار المدير العام السابق لمصرف الأسرة صالح جبريل في حديثه لـ “العربي الجديد” إلى ضرورة استدانة الحكومة من النظام المصرفي لسد العجز في الموازنة نتيجة الظروف الاستثنائية والمشاكل الاقتصادية التي يواجهها السودان بسبب الحرب.
قال: “يجب أن تكون الاستدانة بنسبة معينة لا يجوز تجاوزها”. وقد وصل معدل التضخم السنوي في السودان إلى 117.42% في أغسطس 2024، مقارنة بـ125.4% في يوليو 2024.
ودعا جبريل إلى أهمية أن تكون سياسة تقليل الاعتماد على الاقتراض من النظام المصرفي من أولويات الدولة، من خلال البحث عن مصادر بديلة لتمويل القروض الخارجية واستثمارها في مشاريع إنتاجية.
قال: “إن معالجة قضية الاستدانة تتطلب أيضاً شراكة وتنسيقاً شاملاً بين السياسات النقدية والمالية”. وأشار إلى أن توجه السودان نحو الشرق وتعزيز علاقاته مع الصين وروسيا وإيران والهند وتركيا وغيرها من دول الـ “بريكس” يمثل بداية جديدة للسودان، حيث يحد من تأثير الدولار على سعر صرف الجنيه السوداني، كما يمكن السودان من الاستفادة في جذب القروض التجارية في المستقبل.
وأشار إلى معارضته لاستخدام القروض التجارية في الاستهلاك، داعياً إلى توجيهها نحو الإنتاج عند الحصول عليها لتوفير الإيرادات وتقليل الاعتماد على النظام المصرفي. وأعرب عن أمله في إنهاء الحرب بسرعة لبدء إعادة الإعمار واستغلال الموارد الضخمة التي يمتلكها السودان لتوليد الإيرادات وتحقيق فائض في الاقتصاد.
ذكر أن الاقتراض يمكن تحمله وسداده بعد نهاية الحرب، إذا كانت هناك رغبة حكومية وإدارة حكيمة تستطيع معالجة المشكلات الاقتصادية التي تعيق تدفق الإيرادات.
من جهته، أوضح المحلل الاقتصادي كمال كرار لـ”العربي الجديد” معاناة الاقتصاد السوداني المستمرة من مشاكل نقص التمويل، حيث ألقى باللوم على الاقتراض في ارتفاع معدلات التضخم وانهيار العملة الوطنية.
وصف كرار الاقتراض بأنه الخيار السهل الذي تلجأ إليه وزارة المالية السودانية لتجنب انهيار الميزانية.
قال إن أي تمويل يعاني من عجز يدل على وجود خطأ في تقديرات الإيرادات المدرجة في بنود الموازنة العامة.
وطالب وزارة المالية بتحمل مسؤولية هذا الخطأ، مشدداً على أنها بدلاً من ذلك لجأت إلى معالجة الفشل من خلال طباعة المزيد من الأوراق النقدية.
وأشار إلى أن ذلك يتسبب في الانهيار التام للاقتصاد.
وقال: “إن التمويل بالعجز يؤدي إلى زيادة الأسعار، وتفاقم الضغوط المعيشية، وتراجع الأجور الحقيقية”.
أشار كرار إلى أن انخفاض قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية يتسبب في تآكل المدخرات والودائع الخاصة بالعملاء في البنوك، مما يؤدي إلى اضطرار هؤلاء العملاء لسحب ما تبقى من أموال في حساباتهم المصرفية. وهذا الوضع يعرض البنوك لخطر الإفلاس ويضعف من مراكزها المالية وثقة البنوك العالمية فيها.
أشار كرار إلى أن استمرار الحرب وانعدام الحكومة والدولة يؤديان إلى انتقال السودان من أزمة إلى حالة انهيار اقتصادي شامل لا يمكن التعامل معه.
وقال: “حالياً لا توجد جهة ملزمة بسداد الديون، حيث لم تُصرف أغلب مرتبات موظفي الدولة منذ بداية الحرب، وهذه أيضاً تُعتبر ديوناً، وقد تكون هذه المهمة من اختصاص الحكومة بعد انتهاء الحرب.”
“وسيكون من الصعب جداً تعويض الخسائر الاقتصادية في الوقت القريب.”