«التجاني سيسي» يتحدث عن السبب الأساسي في استمرار الحرب حتى الآن
رصد – نبض السودان
قال رئيس الحراك الوطني في السودان التجاني سيسي إن هناك أخطاء كبيرة ارتكبت في الفترة الانتقالية، ومنها الإقصاء الذي اتبعته قوى الحرية والتغيير، وما نتج عنه من اتساع الهوة بين مكونات المجتمع السوداني، وأدى في النهاية إلى اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023.
وأضاف رئيس الحراك الوطني بالسودان -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن الوطن يواجه استقطابا سياسيا وجهويا وقبليا وإثنيا، وقوات الدعم السريع استثمرت في كل هذه الصراعات، وحشدت أنصارا لها حتى قبيل اندلاع الأزمة الأخيرة.
وتحدث سيسي عن الدور الإقليمي وتأثير الأجندة الدولية في تأجيج الصراع في السودان، وقال إن التمويل الخارجي هو السبب الأساسي في استمرار الحرب حتى الآن، ولن تُوقف قوات الدعم السريع إطلاق النار إلا إذا أوقف الممول الخارجي دعمه.
وفي كلمات تتوشح بالحزن بيّن أن حل الصراع “لم يعد في يد السودانيين كما كنا نتمنى أو نعمل على ذلك”، ولكن “مع الأسف هناك تدخلات كثيرة توجه مجموعات في الداخل لتصل إلى حل يرضي الجهات الخارجية، ولا يرضينا نحن السودانيين”.
والتجاني سيسي نال درجتي الماجستير والدكتوراه في إدارة الأعمال من المملكة المتحدة، وتقلد عدة مناصب في هيئات دولية تابعة للأمم المتحدة، وكان حاكما لدارفور عام 1988، وفي عام 2011 أصبح رئيسا للسلطة الانتقالية في دارفور بموجب اتفاق الدوحة للسلام، وهو حاليا رئيس حزب التحرير والعدالة القومي.
كيف وصل السودان إلى هذه المرحلة من الصراع؟
الأزمة في السودان قديمة ومتجددة، كما أنها متجذرة في مكونات الدولة المختلفة منذ فجر الاستقلال، وهذا يرجع إلى عدة أسباب:
فشل النخب التي تعاقبت على حكم السودان في التوافق على نظام الحكم في البلاد.
إساءة إدارة التنوع الإثني والقبلي والجهوي الكبير في السودان.
فشل النخب السياسية في وضع دستور دائم للبلاد، ومنذ الاستقلال يُحكم السودان بدساتير انتقالية.
عدم القدرة على تحديد هوية البلد ورؤيته المستقبلية مما أدى إلى مجموعة من الانقلابات والهبات والثورات والحكومات الانتقالية.
لكن الفترة الانتقالية التي أعقبت سقوط نظام الإنقاذ شهدت عدة أخطاء، ومنها أن الحرية والتغيير اتبعت منهج الإقصاء، رغم أن الوطن يواجه استقطابا سياسيا وجهويا وقبليا وإثنيا، ومن الصعوبة لأي فئة أن تنفرد بالقرار الوطني وتقصي الآخرين، وهذا الاستقطاب لم يقف عند القوى السياسية والمجتمعية، بل امتد إلى القوات العسكرية.
إذا خرج البرهان وحميدتي من المشهد ينتهي الصراع؟
أنا لا أعتقد ذلك، لأن الصراع أصبح متجذرا، وفيه أبعاد كثيرة جدا، ومستويات مختلفة بين صراعات عسكرية، وسياسية، وإثنية، وقبلية، وهناك صراعات مجتمعية مختلفة، فالقضية السودانية الآن أصبحت معقدة.
وأنا لا أعتقد أيضا أن غياب الاثنين (رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي) يؤدي إلى حل القضية، لأن ذلك ينتهي بأن توقف قوات الدعم السريع اعتداءاتها على المواطنين، ولن تتوقف هذه القوات إلا عندما تجبرها الجهات التي تمولها على وقف إطلاق النار.
كما أن كل السياسات التي اتبعتها الفترة الانتقالية أدت إلى اتساع الهوة بين المجموعات العرقية المختلفة، وانتقلت مشاكل الإقصاء والكراهية من ميدان السياسة إلى وسائل التواصل الاجتماعي وتداولها الناس، ثم جاءت قوات الدعم السريع ولعبت على هذه الصراعات، كما استعانت بها جهات سياسية من أجل الوصول لحكم السودان.
ما تأثيرات التدخل الإقليمي في الصراع السوداني؟
نشكر بداية كل الجهات التي قامت بزيارة السودان للتشاور أو طرح رؤيتها أو لتفهم رؤية الحكومة السودانية، وأنا أعتقد أن منبر جدة في المملكة العربية السعودية هو الوحيد الذي يمكن أن يتم التفاوض فيه حول المسار العسكري للوصول إلى وقف إطلاق النار.
ورغم بعض المآخذ على الحكومة الإثيوبية والخلافات الحدودية، فإن زيارة رئيس الوزراء آبي أحمد مؤخرا قد تذيب الجليد في العلاقات السودانية الإثيوبية.
ولكن، أنا أعتقد أنه مهما كثرت الزيارات فإن هناك قضايا أساسية -مثل وقف إطلاق النار- إذا أراد المجتمعان الدولي والإقليمي أن تنتهي فينبغي أن يمارسا ضغوطا على الأطراف المتصارعة، خاصة الدعم السريع، حتى ينسحب من منازل المواطنين والأعيان المدنية، وكذلك على الجهات التي تموله وتدعمه حتى توقف هذه الإمدادات.
تعددت المؤتمرات مؤخرا بحثا عن مخرج للأزمة في السودان، فما الذي تحقق منها؟
تأتي أهمية مؤتمر جنيف من أنه يضم ممثلين عن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ورغم أن المباحثات ستكون غير مباشرة بين المجتمعين، فإنها الأولى منذ فترة التي يجتمع فيها الطرفان، كما أن هذه المباحثات تتعلق بالشأن الإنساني وكيفية وصول المساعدات الإغاثية إلى النازحين السودانيين.
أما مؤتمر القاهرة، فإننا نحمد لجمهورية مصر العربية قيامها بمبادرة لجمع السودانيين من أجل التشاور والتباحث، ورغم أنني كنت ضمن الحضور فإنني غادرت في اليوم الأول لارتباط آخر، وهذا المؤتمر لم يخرج بالنتيجة التي انتظرها المنظمون نتيجة عدم التوافق على البيان الختامي الصادر عن المؤتمر.
ومصر لا تتمتع بعلاقات وطيدة فقط مع السودان، بل هناك علاقات إستراتيجية ولها أبعاد أمنية وقومية، وتتأثر بما يحدث في السودان، كما أنها حريصة على احتواء الأزمة لأنها تتأثر جدا بها، حيث تستضيف آلاف السودانيين الذين هجروا من منازلهم؛ ومن هذا المنظور يأتي التدخل المصري.
التقارير الدولية تتحدث عن أوضاع إنسانية ومعيشية مأساوية، فإلى متى تستمر هذه المآسي؟
يتعرض السودانيون لمأساة كبيرة؛ فنحو 14 مليون سوداني تأثروا بهذه الحرب، وهناك مظاهر لمجاعة تلوح في الأفق، لكن العالم يتحدث كثيرا ويصرخ كثيرا ولا يقدم كثيرا، والاستجابة الدولية للمأساة الإنسانية في السودان مخجلة.
وهناك مناطق عديدة يمكن الوصول إليها وإغاثة النازحين فيها، ولكنهم تُركوا لهجمات الدعم السريع، كما أن المؤسسات الدولية لها أجندتها الخاصة في صرف المساعدات؛ فمثلا مؤسسة إغاثية تقوم برصف طريق إلى منطقة الجنينة (غربي السودان) بحجة تسهيل إيصال المساعدات في حين يقف النازحون على جانبي الطريق بلا طعام.
ومع ذلك ينبغي أن أشيد بالدور الذي تقوم به دولة قطر، فما زلنا نشاهد طائراتها التي تنقل الإغاثة إلى السودان بلا كلل أو ملل، وما زال عطاؤها الإنساني لا يتوقف للمتضررين من هذه المحنة، في الوقت الذي تقوم فيه طائرات دولة أخرى بنقل السلاح والعتاد لجهات معينة لتؤدي إلى المزيد من إشعال الحرب. لذلك نحن نشكر دولة قطر أميرا وشعبا وحكومة ونتمنى أن يستمر هذا العطاء.
هل ما زال الحل في يد السودانيين؟
نحن كنا نأمل أن يكون الحل في يد السودانيين، وما زلنا نعمل من أجل أن يبقى الحل بإرادة وطنية سودانية كاملة، ولكن مع الأسف نشعر الآن بأن الحل لم يعد في يد السودانيين، فهناك تدخلات كثيرة جدا وهي التي توجه بعض المجموعات لتصل إلى حلول ليس لأنها ترضي السودانيين، ولكنها ترضي هذه الجهات الخارجية.
وينبغي علينا أن نعمل من أجل إرساء دعائم حل سوداني سوداني، وحل يواكب وضعنا في هذه المرحلة، وحل يحقق مصالحنا الإستراتيجية ومصالحنا كذلك مع هذه الدول التي تتنافس على مواردنا، ويمكن أن نتوافق حول شراكات لاستثمارات يمكن أن تعود علينا بالمصلحة وعليهم أيضا.
ولكن مع الأسف يبدو أن الأجندة الفاعلة الآن في الساحة هي الأجندة التي تقود إلى حل يكون في مصلحة الدول الخارجية. ويعد لجوء بعض السودانيين إلى الخارج حتى يعودوا إلى سدة الحكم أمرا خطيرا، وسيؤدي إلى المزيد من التصعيد في السودان وهشاشة الدولة، ويمكن أن يؤدي في نهاية الأمر إلى الانهيار.
وماذا عن الحل؟
أعتقد أن مستقبل السودان ينبغي أن يظل موحدا، ولكي نصل إلى ذلك علينا ما يلي:
- الرجوع إلى التاريخ وجذور الأزمة السودانية وأن نتوافق حول نظام الحكم وشكله، وأن نترك الهوس بمركزية الحكم في السودان.
- التباين الذي يتمتع به السودان يفرض علينا أن يتم توزيع السلطات بين مستويات الحكم المختلفة.
- التوافق على هوية واحدة، بعيدا عن القوميات العربية أو الأفريقية، لأن ذلك يؤدي إلى الاستغلال والنزاعات المسلحة.
- التوافق حول دستور دائم بعيدا عن الدساتير الانتقالية.
- قبل الوصول إلى الانتخابات ينبغي أن ننتهي من كل المشكلات العالقة والتحديات التاريخية، ولا ترحل إلى الحكومات المنتخبة لأنها تكون ضعيفة ولا يوجد حزب يحقق الأغلبية.
- استرجاع الثقة بين المكونات الأهلية والسياسية عبر مجموعة من الورش التي تقود إلى مؤتمر سوداني سوداني لنتوافق على القضايا الانتقالية وبناء التوافق المجتمعي.
- إقامة مظلة واحدة للتفاوض من أجل وقف إطلاق النار والوصول إلى حلول للأزمة، بعيدا عن تعدد المبادرات التي تؤدي إلى تشظي الجهود وكثرة الأجندات والأهداف الخارجية.
- يجب أن نعي الأطماع التي تستهدف مواردنا، وأن نحمي هذه الدولة من الانهيار ونحمي وحدتها ووحدة شعبها.