ما تأثير انضمام جنوب السودان لاتفاقية عنتيبي على أزمة سد النهضة؟
رصد – نبض السودان
ارجع خبراء مصادقة جنوب السودان على الاتفاقيّة الإطاريّة لدول حوض النيل، المعروفة إعلاميّا باسم اتفاقية عنتيبي إلى ضغوط سياسية مورست على جنوب السودان، معتبرين أن موقف مصر أصبح حرجا بشأن حصّتها من مياه النيل، خاصة بعد بناء سد النهضة الإثيوبي
ووفقا لوسائل إعلام في جنوب السودان، فقد صادق برلمان البلاد على الاتفاقية وجرى تسليمها بعد ذلك إلى رئيس الدولة سلفاكير ميارديت للمصادقة عليها، وهو ما أثار جدلا بشأن إمكانية أن يؤدّي ذلك إلى دخول الاتفاقية حيّز التنفيذ.
وبينما يشير الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا وخبير الموارد المائية المصري وبينما إلى أنّ الهدف المُعلن من الاتفاقية هو تحقيق التعاون بين دول حوض النيل للاستفادة من الموارد المائيّة عبر إقامة المشروعات، فإنّه يعتبر أنّ ما يصفه بإضافة بنود لا تعترف بالحقوق التاريخيّة لمصر والسودان في مياه النيل هو ما دفعها إلى عدم التوقيع على الاتفاقيّة.
ويقول في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إنّ اتفاقية عنتيبي «تُلغي الحقوق التاريخيّة في مياه النيل لمصر والسودان وفقا للاتفاقيّة الموقّعة عام 1959، ما يعني أنّ دولتيّ المصبّ (مصر والسودان) ليس لهما حصّة في مياه النيل، وهذا لن تقبله مصر».
أضاف «تنفيذ الاتفاقيّة يضرّ بدولتيّ المصب.. .وحتّى لو وقّعت 10 دول من أصل 11 دولة مشاركة في حوض النيل، فإنّ مصر غير ملزمة بها.. .لكن علينا الاعتراف بأنّ توقيع جنوب السودان على الاتفاقية يمثّل تغيرا سياسيا في العلاقات مع مصر».
نصاب قانوني
كانت أثيوبيا قد قادت في عام 2010 تحرّكات لإقناع دول حوض النيل بالتوقيع على الاتفاقية، وفي العام ذاته، وقّعت على الاتفاقيّة خمس دول، هي إثيوبيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا وكينيا وبوروندي.
وصادقت حكومتا إثيوبيا ورواندا على الاتفاقية في عام 2013، ثم تنزانيا في 2015 وأوغندا في 2019 وبوروندي في 2023، لكن كينيا لم تصادق حتّى الآن.
وظلّ تأسيس مفوضيّة لحوض نهر النيل مرهونا باكتمال النصاب القانوني الوارد في الجزء الثالث من الاتفاقية، وهو توقيع برلمانات ستّ دول من دول الحوض، نظرا لعدم تصديق كينيا.
ويُخشى أن تكون المصادقة على الاتفاقية من قبل جنوب السودان، التي لم تستقل عن السودان حتى فبراير 2011 بموجب استفتاء شعبي، قد تعني اكتمال ذلك النصاب.
ويعدّ تأسيس تلك المفوضية خطوة مهمة على مسار تنفيذ الاتفاقية التي لا تعترف بها مصر والسودان وتتمسكان باتفاقيات 1902 و1929 و1959، وتُقرّ تلك الاتفاقيات بحصة قدرها 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل لمصر، و18.5 مليار متر مكعب للسودان.
وتربط مصر بجنوب السودان علاقات مميزة، حيث يتبادل مسؤولون رفيعو المستوى من الجانبين الزيارات. وافتتح وزير الري المصري هاني سويلم في يونيو الماضي عددا من المشروعات المائية في جنوب السودان، منها مركز التنبّؤ بالأمطار والتغيّرات المناخيّة ومشروع تطهير بحر الغزال من الحشائش المائيّة وعدد من آبار المياه الجوفيّة.
وأرجعت أماني الطويل، رئيس الوحدة الأفريقيّة في مركز الأهرام للدراسات السياسيّة والاستراتيجيّة، مصادقة جنوب السودان على الاتفاقية إلى ما وصفتها بالضغوط التي تمارسها عليها أثيوبيا، حيث تربط البلدين حدودٌ مشتركة وهناك مجموعات سكانية موجودة على حدودهما.
ضغوط سدّ النهضة
في حديث لوكالة أنباء العالم العربي، اعتبرت الطويل أن «الدبلوماسيّة المصريّة لم تقم بدورها بشكل كامل في هذا الشأن لانشغالها بملفيّ غزّة وحرب السودان».
وقالت إن «موقف مصر أصبح حرجا بشأن حصّتها من مياه النيل، خاصة بعد بناء سد النهضة الإثيوبي» محذرة من أن توقيع جنوب السودان على الاتفاقية «يعزز موقف إثيوبيا في مشروعها ببناء عدّة سدود أخرى بخلاف سد النهضة، خاصة أنّه وفقا لهذه الاتفاقية ليس لمصر والسودان حصّة من مياه النيل».
وقالت «إثيوبيا تسعى إلى الاحتفاظ بالموارد المائيّة بشكل كامل، وتعمل على تحقيق ذلك من الناحية الفنيّة من خلال القيام ببناء عدد من السدود الصغيرة لتخفيف الضغط على سد النهضة».
لكن شراقي يرى بدوره أن الاتفاقية في الأصل «لا تُعطي أثيوبيا الحقّ في بناء سد النهضة، ورغم ذلك قامت ببنائه، فهي لم تلتزم بها، وهي (الاتفاقية) أيضا من وجهة النظر المصرية هي والعدم سواء».
وكانت وزارة الريّ والموارد المائية المصريّة قد أعلنت في ديسمبر الماضي انتهاء مسار التفاوض مع إثيوبيا بشأن سد النهضة دون تحقيق أي نتائج، وقالت إنّ القاهرة ستراقب عن كثب عملية ملء وتشغيل السد مع الاحتفاظ بحقّها في الدفاع عن أمنها المائي إذا تعرّض لضرر.
وبدأت إثيوبيا تشييد سد النهضة عام 2011 بتكلفة وصلت إلى أربعة مليارات دولار أميركي، وسط مطالبات مصريّة سودانيّة بضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد.
وتستعد إثيوبيا للتخزين الخامس للمياه خلف بحيرة السدّ بعد الانتهاء من الأعمال الخرسانيّة لتعلية الممر الأوسط، بعد أن كانت قد أعلنت انتهائها من الملء الرابع في سبتمبر أيلول الماضي دون التشاور مع دولتي المصب.
وتقدّمت مصر رسميا بأربع شكاوى إلى مجلس الأمن بسبب ما وصفته باستمرار انتهاكات إثيوبيا المتكررة للقانون والاتفاقيات الدولية، بما في ذلك اتفاق إعلان المبادئ لعام 2015 المتعلّق بسد النهضة.
وترى مصر أن ما تصفه بتصرفات أديس أبابا الأحادية الجانب بشأن ملء وتشغيل السدّ تشكّل تهديدا وجوديا لها ولاستقرارها.