باحث فرنسي يتخوف من مذبحة بالفاشر
رصد – نبض السودان
قال الباحث الفرنسي جان باتيست غالوبان إن هناك حاجة ملحة لأن يتصدى المجتمع الدولي للفظائع التي ترتكب حاليا في السودان، وطالب بحماية السكان في المناطق المهددة بهجمات وشيكة، كما هو الحال في الفاشر عاصمة شمال دارفور، حيث يمكن أن يؤدي الهجوم الوشيك إلى مذبحة على نطاق مماثل لما حدث في مدينة الجنينة قبل ذلك.
وأوضح الباحث في قسم الأزمات والنزاعات في “هيومن رايتس ووتش” -في مقابلة مع مجلة لوبوان- أنه لا يوجد مدني آمن حقا في السودان اليوم، مشيرا إلى ما وقع في حملة التطهير العرقي في الجنينة من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مستعرضا تقرير المنظمة الذي وثق المجازر على خلفية التطهير العرقي المرتكب في غرب دارفور.
بدأت الأحداث -حسب الباحث- بعد تسعة أيام من اندلاع الحرب بين القوات المسلحة النظامية السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، عندما اشتعلت النيران في الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، حيث “قادت قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها حملة ممنهجة لطرد السكان من جماعة المساليت العرقية عن طريق القتل”، حسب تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الذي نُشر يوم 9 مايو الجاري.
وقال جان باتيست غالوبان -في المقابلة التي أجرتها مراسلة المجلة في أديس أبابا أوغسطين باسيلي- إن القوات المسؤولة عن الانتهاكات التي وقعت في الجنينة استخدمت مصطلحات عنصرية ضد المساليت وغيرهم من السكان غير العرب، وهو الخطاب العنصري نفسه الذي استخدمته مليشيات الجنجويد أسلاف قوات الدعم السريع، عندما هاجمت قرى السكان غير العرب في إطار قمع التمرد الذي قادته الجماعات المسلحة من دارفور ضد الخرطوم بين عامي 2019 و2021.
وأشار الباحث إلى أن الجيش السوداني النظامي بدا “عاجزا أو غير راغب”، وفق قوله، خلال فترة العنف بأكملها في الجنينة، في تقديم المساعدة للسكان المدنيين، ولم تلاحظ أي جهود ملموسة وكبيرة من قبله باستثناء حالات فردية معزولة، كما لم يتدخل خلال الهجمات التي ارتكبت بين عامي 2019 و2021.
وبدأت عمليات القتل بعدة موجات من الهجمات شنتها قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها، استهدفت المواقع التي تؤوي النازحين وقتل فيها العديد من الرجال والمراهقين كما لم تسلم النساء وكبار السن والجرحى.
ولكن مقتل حاكم غرب دارفور خميس أبكر، وهو من المساليت، كان بمثابة نقطة تحوّل كبيرة في سياق الهجوم الأخير الذي شنته قوات الدعم السريع، إذ ساهم في انهيار الدفاع عن أحياء المساليت الذين بدأت ذخيرتهم تنفد، حسب الخبير.
ويصف الشهود حركة الجماهير، إذ خرج جميع سكان الأحياء ذات الأغلبية من المساليت إلى الطريق، وغادر عشرات الآلاف من الأشخاص ذلك المساء في قافلة طولها عدة كيلومترات، مع شاحنات محملة بالجرحى، وتم نقل آخرين في عربات اليد، وكانت هناك عائلات تسير على الأقدام وسيارات مليئة بالمدنيين.
وفي الصباح -كما يقول الخبير- هاجمت قوات الدعم السريع وحلفاؤها القافلة بعد أن وصل أولها إلى أرداماتا على بعد 6 كيلومترات من وسط مدينة الجنينة، وقتلت عمدا عددا كبيرا من المدنيين، حيث أخبر شهود عيان أن قوات الدعم السريع انتقلت من مركبة إلى أخرى لقتل كل من كان على متنها، ولم يرحموا الجرحى، وجمّعوا عائلات بأكملها لقتلها وإلقاء الجثث في نهر، كما أعدموا من حاول عبور النهر في مجزرة على نطاق واسع جدا، وارتكبوا انتهاكات جسيمة مثل الاغتصاب والتعذيب.
وأشار الخبير إلى إجراء مقابلات مع عشر ضحايا اغتصاب، وتحدث عن وجود 78 حالة في المجموع، ولكن العدد الحقيقي لا يزال مجهولا، كما لا تزال أعداد القتلى غير مضبوطة، مع أن لجنة خبراء الأمم المتحدة تشير إلى مقتل ما بين 10 آلاف و15 ألف شخص، في حين أحصى المحامون المحليون 18 ألف قتيل و7 آلاف مفقود.
وعند سؤاله عن مدى مساهمة انسحاب البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور (يوناميد) والذي بدأ نهاية العام 2020، في تصاعد التوترات وأعمال القتل الجماعي التي حدثت قبل اندلاع الحرب، قال الخبير إنه من الواضح تماما أن وجود اليوناميد كان له دور رادع، وإن هناك صلة مباشرة بين الإعلان عن رحيلها وتجدد الهجمات على المدنيين بين عامي 2019 و2021.
ويرى الخبير أن اتفاق سلام جوبا في أكتوبر 2020 كان له تأثير متناقض لأنه جلب بعض الجماعات المسلحة من دارفور إلى الحكومة، ولكنه في الوقت نفسه أدى إلى زيادة التجنيد، خاصة في دارفور، وبالتالي كان له هو الآخر دور في تأجيج الصراع.
وخلص جان باتيست غالوبان إلى أن هيومن رايتس ووتش تدعو لحماية المدنيين من خلال نشر قوات الشرطة ومراقبة انتهاكات القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والتحضير لعمليات عودة النازحين إلى ديارهم في ظل ظروف جيدة.