«طهران أم أبوظبي».. أردول يعلق على تصريحات لمسئولة أمريكية بمجلس الأمن
رصد – نبض السودان
هل طهران أم أبوظبي … تعليق بخصوص تصريحات المندوبة الأمريكية الدائمة لدى مجلس الأمن… وتقدير موقف.
مبارك أردول
الواضح إن العلاقات الثنائية التي بدأت تتطور بين طهران والخرطوم قد أزعجت واشنطن بشكل غريب، وهذه التصريحات لا تعبر عن واشنطن فحسب بل عنها وعن حلفائها الذين وجدوا السودان في عهد البشير ضعيفاً عديماً للاصدقاء الأقوياء، أو جرد من ذلك وأصبح هذيلاً لا يقوى على ما يجري له الان.
تدهورت قدرات السودان بعد ان اجبر لقطع علاقاته مع طهران بشكل غريب وتخفيفها مع الأخريات إرضاءاً للحلفاء الغرماء (في الأصل) بغية الدخول في ناديهم الذي شن الحرب على اليمن في حملة عاصفة الحزم، فدخل النظام السابق بقيادة محدودة القدرات وفقيرة في القراءات في هذه المتاهة طامعة لعلها تجد ما يسد رمق يومها من مساعدات مالية من الخزائن الخليجية، والتي كان هذه احدى الشروط المطروحة، نعيد ذكر هذه الشروط؛ وهي الاصطفاف بجانبها في عاصفة الحزم والمشاركة بالقوات، بجانب قطع العلاقة مع طهران وايضاً التخلص من الاخوان المسلمين من الحياة العامة سواء ان كان نظام او أفراد او أموال وكذلك رجال اعمال.
كان نظام البشير مستعدا لكل ذلك سعياً وراء بقاءه في السلطة لأطول فترة ممكنة، لانه كان لايملك اجابة للأوضاع الاقتصادية والأزمات التي توجه بقائه سوى ما يجود به هؤلاء، فقد ساءت علاقاته مع موسسات التمويل الدولية وأندية الديون من قبل، وقد انفصل الجنوب ايضاً باغلب آبار النفط. كان النظام ينتظر الدعم حتى جاءت رياح التغيير -التي قادها الشعب السوداني بتنظيماته المعارضة وبمفرده – متسابقة فأجبرت العديد من دول الخليج لمسايرة موجة التغيير تلك، ومثلت كأنه كان ضمن أولوياتها، حيث سعت أبو ظبي تحديداً للتودد والتقرب لقوى الثورة بشتى المجالات، وسعوا لذلك بعد أن تاكدوا إن نظام البشير ساقط لا محال، وهذا السعي كان لتثبت نظام حكم جديد يحقق أهدافهم وشروطهم أعلاه، بل وينفذ استراتيجيتهم الجيوسياسية، فاستطاعت ابوظبي في البداية في تحقيق جزء من هذه الاستراتيجية، ولكن التغيير الذي تم في 25 اكتوبر قطع الطريق امام مشروعها، فعادت تبحث عنه.
نتسأل ما الذي تريده ابوظبي من السودان؟ يذهب العديد في التحليل لموقف الامارات إلى أنها تسعى للسيطرة على الموارد الاقتصادية في السودان، ورغم أنه يظل احدى الأهداف ممثلا في مشروع الفشقة والهواد ومواني ابوعمامة والتعدين وغيرها، ولكنه مع ذلك يظل هدف ثانوي، فالهدف الأول يتمثل في الغاية الجيوسياسية والموقع الاستراتيجي الخاص بالسودان وأهميته، سيما هناك رغبة معلنة من دول كبيرة للبقاء والتقرب الى النظام في الخرطوم، فمشروع الحرير وقاعدة فلامينغو وميناء دقنة والبوارج الإيرانية فضلا عن مشروع اطلنتس كلها مشاريع لا تتماشي مع مصالح ابوظبي او لن تتم مع نظام موالي لها، هذا جعل ضرورة وجود نظام موالي لآل نهيان غاية يدفع خلفها المليارات ويزود الآلاف من الأطنان من شحنات السلاح بمافيها الطائرات المسيرة ويستجلب لها المرتزقة كمقاتلين تحت غطاء الدعم السريع من أقصى غرب أفريقيا لتحقيقه، وقد يتطور الأمر لاحقا إلى الأسلحة الفتاكة والطائرات الحديثة او التدخل العسكري المباشر، وكل ذلك يتم وسيتم باسم الديمقراطية والحكم المدني.
إن ما يحدث في السودان من جرائم الاغتصاب والنهب والعنف ضد المدنيين بدعم من الامارات وبمباركة الولايات المتحدة الأمريكية وصمت الآخرين عليه، واضح أن من وراءه هذا المخطط، والواضح ان ابوظبي نفسها مستخدمة كوكيل صغير او طالبت واشنطن بغض الطرف عنها وعدم ازعاجها في تحقيق غرضهما في السودان، والذي يكامل بلا شك استراتيجيتهم جميعا، حيث لا يعقل أن تطلب واشنطن منع تدخل طهران مثلما كانت تدعو سابقا بكين بعدم دعم موسكو وتزويدها بالسلاح في وقت كانت هي تحث حلفائها في أوروبا وتقوم بنفسها بدعم كييف بشكل كامل!.
يرى اغلب الشعب السوداني الان أن تدخل طهران سيكون لصالح القوات المسلحة وسيؤدي في نهاية المطاف إلى تقوية الجيش الوطني وبالتالي حماية المدنيين والحفاظ على الدولة وسيادتها وسلامة أراضيها، بغض النظر عن نظام الحكم الذي سيكون حاكما، حيث لا تتمثل الحكومة الديموقراطية او غيرها شيئا الان وقد تشرد الملايين من ديارهم.
لم ينسى السودانيون أن الولايات المتحدة رعت الاتفاق الإطاري عبر الالية الرباعية بجانب بريطانيا والامارات والسعودية بغية صناعة حكومة موالية لهم، ولكنه تسبب في هذه الحرب الجارية التي يدفع ثمنها الملايين، ورغم تحذيرات الكثيرين والتحشيد والتصعيد العسكري الذي كان يجرى حينها تحت سمع وبصر الجميع فقد ظلت واشنطن وحلفاؤها صامتين بل ومباركين وغضوا الطرف عن ذلك حتى انفجرت الأوضاع في 15 أبريل، حيث رأوا انه مجرد تغيير طفيف سيحدث وستعود الأمور لنصابها في وقت وجيز، ولم تمنع وقوع الأحداث ولو بتحذير او تصريح، وهذا اشبه بما حدث في 1994م في رواندا حيث تقاعست فرنسا من منع وقوع الإبادة الجماعية فيها، وصمتت حتى حصدت مئات الآلاف من الضحايا، حتى جاء الان ماكرون بعد مرور ثلاثين عاما وقال كان بإمكاننا منع ذلك.
طيلة الفترة الماضية لم تتحرك واشنطن بجدية تجاه الدعم العسكري السخي الإماراتي عبر تشاد ودول اخرى للمليشيا والذي استمرّ لشهور ونشرت صحف وتقارير صحافية موثوقة ذلك، وكذلك تقرير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة، كيف لواشنطن ان تصمت وتأتي الان وتتحدث وتخشى عن دور لطهران والذي لم يحدث في الأصل!!
يتشكك الكثيرين في رغبة الولايات المتحدة -رغم الضجيج الكثيف الذي يقوده مبعوثها – في إنهاء الصراع في السودان سيما وأنه بيدها الان اجبار الدعم السريع للالتزام بتنفيذ مخرجات اتفاقية جدة التي كانت هي والمملكة قد توسطتا وقامتا برعايته، وهو المدخل الصحيح لإثبات الجدية تجاه الحلول التفاوضية في السودان، ورغم فشلها في ذلك تدعو الطرفين للعودة للمنبر الان!!
الواضح ولربما ان المنبر يدخل ضمن إطار العلاقات العامة او لمنع أي محاولات جادة للتوسط من ناحية او لهندسة الاتفاق بالشكل الذي لا يهدد مصالح واشنطن وحلفائها.
إن أضعاف القوات المسلحة هو مخطط ترعاه الحكومات التي رعت الاتفاق الاطاري باسم الحكم المدني الديمقراطي، فالمدخل الصحيح لاستعدال الأمور بالنسبة للخرطوم هو تحديد أجندة السياسة الخارجية للدولة وإعادة تعريف العلاقات مجددا بين الدول.
فالسيناريوهات المطروحة الان كلها لايمكن أن تنهي الصراع في السودان بشكل يتطلبه المواطن، لانها ببساطة لابد ان تجد دور سياسي وعسكري للدعم السريع وغطائه المدني (تقدم) وهو دور يضمن ضمن سابع المستحيلات، فلا الدعم ولا تقدم يمكن ان يقبل لهم بدور بعد هذه الانتهاكات مهما حاولت وبذلت وصرف واشنطن وابوظبي – مباشرة او عبر منظماتها ومراكز بحوثها – الملايين لتجميل صورتها امام الشعب السوداني فإنه مشروع فاشل .
حزم قيادة القوات المسلحة امرها وتوجهها نحو طهران من غير تردد ولغيرها من الحلفاء الحقيقيين وتوحيد الجبهة الداخلية سيؤدي بلا محال لهزيمة المليشيا وتأسيس دولة جديدة قادرة على مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية ، وغير ذلك فستنتهي سياسة واشنطن وابوظبي لهذه الخيارات الأربعة، وهو البحث عن دور سياسي وعسكري لحليفتها العسكرية (الدعم السريع) وكذلك لحليفتها المدنية (تقدم) عبر منبر جدة، او هزيمة وتفكيك القوات المسلحة عبر الدعم العسكري النوعي للدعم السريع، او لتقسيم السودان ومنح دارفور للدعم السريع حتى لا يكتفوا من الغنيمة بالإياب، او ان تستمر الحرب لأطول فترة.
12 ابريل 2024م
ذكرى إشعال الحرب
باحتلال مطار مروي
بواسطة الدعم السريع