المؤتمر الشعبي ينادي بوقف الحرب
رصد – نبض السودان
بسم الله الرحمن الرحيم
المُؤتَمَرُ الشّعْبِيّ POPULAR CONGRESS
خطاب العيد شوال 1445 هـ – الموافق أبريل 2024 م
يقول الله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىٓ ءَادَمَ وَحَمَلْنَٰهُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍۢ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) الاسراء الاية ٧٠ .
و يقول تبارك وتعالى:(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) البقرة:185.
بعد تكبير الله وحمده، وتسبيحه بكرة وأصيلا، وتوحيده، لا إله إلا هو، لا نعبد إلا إيَّاهُ، مُخْلِصِين له الدين ولو كره الكافرون.
ثم أما بعد :
ترتبط فرحة العيد بالصوم و هو فريضة عظيمة، وركن من أركان الدين، فالعيد فرحة مشروعة، الطابع العام فيها العرف والعادات المعبرة عن معاني المنحة الربانية، والمشاعر الإنسانية، والأخوة الدينية، يقول الله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات الاية ١٣.
فالعيد سلام وإحسان وعطف وتصاف وتسامح وتواصل، الإعتزاز به من شعائر الإسلام التي أحبها الله تعالى وشرعها لعباده.
إخوتنا في الدين والوطن والإنسانية.
نتوجه إليكم بإسم المؤتمر الشعبي قيادة وقاعدة صابرة محتسبة منتشرة في البلاد تناهض الحرب العبثية التي اخرجت المواطنين من مساكنهم، فمنهم من صار نازحا في الولايات، ومنهم من هاجر في أرض الله الواسعة، نتوجه إلي جمعهم بالتهنئة المباركة، أعاده الله علينا وعليكم والامة الإسلامية بالخير واليمن والبركات، كما نترحم على جميع الشهداء ونسأل الله ان يشفي الجرحى ويفك اسر المأسورين.
شعبنا الصابر المحتسب
بلادنا تعيش أسوأ حقبة في تاريخها الحديث، جراء حرب عبثية ضد إنسان السودان بموارد السودان المادية والبشرية، أريقت فيها دماء بريئة في أماكن عديدة من اجزاء الوطن، فالمئات بل الآلاف قد قتلوا، وأستبيحت الحرمات في كل انحاء السودان غرباً، شمالاً، جنوباً ووسطا، ارتكبت الفظائع وواجه الشعب شظف العيش بسبب حرب ما زالت نيرانها متقدة، صاحبتها فظائع بشعة من سلب ونهب وسرقة، خلفت وضعاً إنسانياً لا مثيل له في السودان، ولا قبل للسودانيين بها. إنتهاكات الدعم السريع قد طالت المستضعفين والابرياء في القرى والمدن، وتجاوزات القوات المسلحة بالقصف الجوي الحقت اضراراً كبيرة بالأبرياء، ولا زال نزيف الدم يتواصل.
الاخوة الكرام:
السودان على وشك التمزق والتشرزم والتشظي، وإزدياد موجات اللجوء والنزوح والفقر المدقع بسبب الحرب التي اهدرت موارد البلاد كما أسلفنا. و كما تعلمون كانت جهودنا متصلة مع القوى السياسية وحركات الكفاح المسلح والأطراف السياسية، قبل الحرب من اجل إيجاد مخرج لأزمة الانتقال وتجنيب البلاد هذا المصير المظلم ، حتى إندلعت الحرب وجاء موقفنا الصارخ ضدها منذ الوهلة الاولى، وظللنا ننادي بان يجنح الطرفان للسلم والحوار، لم نلتمس الجدية اللازمة ولا المسؤولية الكافية من الأطراف المعنية، بل كانت السمة البارزة هي التراجع والنكوص عن العهود ووقف إطلاق النار و الخروج من بيوت المواطنين والاعيان.
جماهير شعبنا الأبي.
إن إستمرار السياسات الحالية والأستهانة بمعاناة الشعب السوداني التي يعيشها لاكثر من عام، ربما قادت الى تقسيم السودان كما أشرنا، فهناك فراغ دستوري مشهود وغياب للحكومة والإرادة السياسية في ظل شرعية الامر الواقع، إذ إستشرى خطاب الكراهية والإستكبار والتعالي وإنحط الخطاب العام من بعض المسؤولين في قمة الهرم، بلا شك ان التعامل غير المسؤول في موضع المسؤولية يكشف عن ازمتنا الحقيقية وفقرنا الى الطرح المشبع بالقيم والفضيلة.
الاخوة والاخوات.
راهن الحرب وأوزارها أعادت السودان من جديد الى منصة المجتمع الدولي والمحكمة الجنائية الدولية التي تتهم البعض بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية كما هو معلوم، كان المأمول النظر فيها في العملية السياسية بروح وطنية تؤسس للعدالة الانتقالية، ومن أجل ذلك ندعو لإيقاف الحرب وإستئناف العملية السياسية بشمول الاطراف والموضوعات بهدف الوصول الى فترة انتقالية تنقص ولا تذيد عن العام بعد وقف الحرب، تعقبها إنتخابات شفافة ونزيهة كما أثبتت تجاربنا في السودان في كل فترة إنتقال .
جماهير شعبنا الصابرة
تشخيصاً للازمة وإسهاماً في الحل الوطني، لابد من رسائل متعددة، حرصاً منا على ما تبقى من سلامة الوطن وامنه، وعبور حكم الواقع الانتقالي الى حكم الشرعية الانتخابية بإرادة الشعب:
بشأن الحرب الدائرة:
كل التجارب التاريخية اوضحت ان الحروب والنزاعات المسلحة لا منتصر فيها مهما طال امدها، الخاسر فيها الوطن، الذي قتل وشرد أبناؤه ودمرت منشأته في ظل صراع عبثي، نتسأل ما الذي تحقق من مكاسب غير الدمار والخراب وتعطل العملية التعليمية في البلاد وتدهور الخدمات والرعاية الصحية. سيظل التدهور مستمرا ما لم تتوقف الحرب لإنقاذ ما تبقى من الوطن.
كانت الوثيقة الدستورية المدخل الرئيسي لضرب الثورة وإفشال الانتقال الديمقراطي بشراكة قيادة الجيش والدعم السريع ومجموعة الحرية والتغيير في حكم الواقع، وحينما تضاربت مصالح السلطة إنفجرت الحرب وعم الخراب الذي يسألون عنه جميعا.
ظللنا في المؤتمر الشعبي ننادي بوقف الحرب إنطلاقاً من موقفنا المبدئي وهديا بقوله تعالى ﴿ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ الحجرات: 9
أكد المؤتمر الشعبي من قبل أن القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى مكون أصيل من مكونات شعبنا ودورها الأساسي هو حماية سيادة البلاد وحفظ أمنها وحماية شعبها، نؤكد مجددا للقوات المسلحة مهامها الدستورية في حفظ حدود البلاد وأمنها، وننبه مجددا لضرورة تماسك القوات المسلحة والنأي بها عن التشظي وحمل السلاح خارج المؤسسة القومية الجامعة وأن يتم دمج الحركات المسلحة والمليشيات جميعها في المؤسسة العسكرية الوطنية القومية الواحدة التي تضطلع بوظيفتها ومهامها في حماية البلاد، مبتعدة عن شئون الحكم والسياسة، حتى لا يكون هناك فتق بينها وبين الشعب يحتاج الى رتق.
ونحذر من أن تقع القوات المسلحة مجددا فريسة او توقع إتفاقا مع أي كيان سياسي كما فعلت مع (قحت) من قبل، وأن تركز على واجباتها بعيدا عن التدخلات في المساجلات والمواقف السياسية التي تخرجها عن دورها وتقود لاضعافها ووقوعها في مخلب التجاذبات الداخلية والخارجية والمحاور التي تتربص بالبلاد.
نجدد الدعوة لوقف كامل لإطلاق النار ووقف الحرب وعودة المواطنين الى مساكنهم وبحث سبل الحوار مع كافة الاطراف من اجل الوطن.
الإرادة الوطنية
التوافق الوطني والتحول الديمقراطي.
اكملت الحرب عامها الاول والشعب السوداني ينتظر فرجاً، نسأل الله ان يأتي به قريبا، لابد من تكثيف الجهود لدعم مساعي السلام، ووقف الحرب، لا لمناصرة أطرف النزاع او الوقوف في الحياد فإن موقفنا بوضوح ضد الحرب والعمل على اجماع سوداني وإرادة وطنية مؤثرة لوقفها، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) (البقرة:208).
القوى السياسية السودانية مسئولة عن التقدم نحو تحقيق الإستقرار السياسي والتوافق الوطني، لذا فإننا ندعو مختلف القوى السياسية الى حوار ناقد جامع جاد بنّاء وملتزم، بثقة وإخلاص وموضوعية متجرد من العصبيات، مستفيدين من تجاربنا السابقة والمآلات التي بين يدينا، تكون اللبنة الأولي نحو الوحدة الوطنية والاجماع والمصالحة، وللاتفاق علي برنامج للحد الأدني من التوافق السياسي بين مختلف المكونات السياسية والاجتماعية ينقذ البلاد من حالة التردي والفشل. ذلك سيعصم البلاد من الفتن القبلية والجهوية المريرة.
لابد أن يكون التوافق الوطني الجامع قاعدة لمعالجة كافة قضايانا والتي تشكل أكبر تحد يواجه الانتقال الديمقراطي، همنا جميعا الدولة السودانية المستقلة المتطورة، دولة ديمقراطية تتأسّس علي المساواة بين المواطنين، يكون الشعب فيها هو مصدر السلطات وتعتبر المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات وفق أحكام القانون وتلتزم بواقـع التعـدد الثقافي والاجتماعي والإثني لمكونات شعبنا.
ذلك لا يتأتى الا بوقف الحرب والسعي الجاد من اجل تحقيق التحول الديمقراطي بالشرعية الإنتخابية بعيدا عن الإنقلابات العسكرية، هذا ما سنسعى له في الفترة القادمة إن شاء الله.
الموقف من المجتمع الدولي
الجوار والعلاقات الدولية.
مواقفنا التي طرحناها في تدابير الانتقال أن تمضي البلاد الى تحول ديمقراطي يقود لوحدة السودان وإستقراره، وهو ما سنظل نتمسك به ونطرحه لكل القوى السياسية لمزيد من الإضافة والحذف إذا رأوا ذلك، وتظل ايادينا ممدودة لمن أراد وقف الحرب ومحو آثارها. نتطلع الى ان يلعب المجتمع الدولي دوراً اكثر فاعلية في غوث اللاجئين والنازحين وتخفيف الاوضاع الإنسانية التي يعانيها الملايين من الذين تضرروا بفعل الحرب، وأن تتواصل الجهود الحثيثة من اجل احلال السلام واعادة الاعمار والاستقرار وهي المرحلة الاهم بعد وقف الحرب والتي تحتاج الى تضافر جهود المجتمع الدولي.
كذلك نتطلع بشأن الجوار والعلاقات الدولية الى علاقات الشعوب المتوطدة مع إحترام خصوصيات الجوار وشأنه الداخلي. عالمياً ظل المؤتمر الشعبي مناصراً لقضايا الضعفاء والمستضعفين واضحت هموم الخارج حاضرة لما لها من إرتباط وثيق بالداخل، ولعلكم تابعتم العدوان السافر على الشعب الفلسطيني ومجزرة غزة، وهي قضية محورية وإنسانية، ما يجري هو عدوان بربري غاشم، صمت العالم المستعمر المستكبر عن جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، وهم من كانوا يدعون الحريات وحقوق الانسان، ووقف ضدها العالم الأبي المتحرر ، ما عادت غزة ولا فلسطين قضية اسلامية عربية، بل عادت قضية العالم المتحضر الصادق الذي تتفاعل مواقفه يوما بعد يوم دعما لفلسطين وضد الصهاينة المغتصبين، كما رأينا من موقف دولة جنوب أفريقيا.
نترحم على شهداء غزة وندعو أحرار العالم أجمع عامة ودول العالم العربي والإسلامي خاصة للايفاء بتعهداتها وكسر الحصار المفروض لتجويع هذا الشعب الصابر. إننا نناصر إخوتنا في طوفان الأقصى ونأكد على حق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه من الغاصبين وهو حق لا رجعة فيه، ومن الظلم التنازل عنه.
ختاماُ:-
نسأل الله لنا ولكم الصحة والعافية وان يجمع الله شمل بلادنا وييسر لها مخرجا من وهدتها وان تتحقق كل أمنياتكم الطيبة.
قال الله تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ آل عمران 103
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
المؤتمر الشعبي الامانة العامة
الاربعاء غرة شوال ١٤٤٥ه
الخرطوم – السودان العاشر من إابريل ٢٠٢٤م