الحلو مر أشهر مشروب سوداني رمضاني ضيعته الحرب..ما سر تسميته
السودان.. الحلو مر أشهر مشروب رمضاني ضيعته الحرب
أسهمت الحرب السودانية في اختفاء الحلومر، المشروب الرمضاني الكلاسيكي الشهير الذي طالما وقف صامداً في وجه غوائل الأيام وتقلبات الأزمان
يحتل مشروب الحلومر، مكانةً عظيمةً في نفوس السُّودانيين، ويعتبر أحد أهم وأشهر المشروبات بمائدة الإفطار السُّودانيّة على مر العصور، إلّا أنّ المشروب الرمضاني الأشهر والأحب لدى السُّودانيين انزوى بعيداً هذا العام.
مثلما دمرت الحرب الطاحنة وتداعياتها المزلزلة، تفاصيل كثيرة بالسودان، أسهمت في اختفاء المشروب الرمضاني الكلاسيكي الشهير الذي طالما وقف صامداً في وجه غوائل الأيام وتقلبات الأزمان.
سـر التّسمية
يتميّز مشروب الحلومر بخصائص متفردة، وتتمثل فرادته الأولى في اسمه العجيب الخليط بين الحلو والمر في ذات الوقت.
ووفقاً لأوثق الروايات، فإن التّسمية المُركّـبة أتت من كونه مشروباً ذا مذاق حلو مع وجود لذعة محببة، ولعلها جاءت من الخلطة العجيبة لمكوناته التي سنأتي على تفصيلها.
ويمتلك المشروب السوداني الشهير كذلك اسماً ثانياً لا يقلّ ذيوعاً وهو “الآبري”، وهي مفردة نوبية تعني الكشط، لكون رقائق “الآبري” بعد مرحلة الطهي المعروفة شعبياً بـ”العواسة” يتمّ كشطها من المواقد.
يُقال إن مشروب حلومر اكتشفته سيدة سودانية بمحض الصدفة، إذ كانت تملك مخزوناً من الذرة غمرته الأمطار في موسم الخريف، وتسببت مياه الأمطار، في نَبْت حبيبات الذرة “ذريعة” داخل الجوال، وعندما طحنتها وجدت مذاقها حلواً، فأضافت إليها بهارات مُختلفة وصنعت منها مشروباً، إلّا أنّ السُّودانيين يرفضون تلك الرواية، ويؤكدون أن المشروب أقدم من ذلك بكثير، ويعود تاريخه إلى عصور ما قبل الميلاد السودان. ويشيرون إلى أن “الآبرى” أو” الحلومر ” عُـرف في بلاد النوبة بشمال السودان، منذ قديم الزمان، فالمرأة النوبية ظلت تحضر المشروب العتيق منذ آلاف السنين.
ويُعتبر الآبرى تقليداً سودانيّاً ضارباً في جذور التاريخ، وارتبط ارتباطاً وثيقاً بشهر رمضان المعظم، إذ يبدأ إعداده قبل حلول شهر رمضان بشهرين كاملين وربما أكثر في أصقاع السودان المختلفة، ليتوسط المائدة الرمضانية بالسودان لما لديه من خصائص فريدة من مقاومة العطش والمحافظة على رطوبة الجسم، خاصةً مع نهارات السودان القائظة الحرارة، حيث يروي ظمأ الصائم، لأنّه غني بالفيتامينات والنشويات والأملاح والسكريات الشديدة الفائدة لجسم الإنسان.
طريقة الإعداد
إعداد الآبرى أو الحلومر يمر بمراحل عديدة، ابتداءً من تزريع الذرة ووضعها في مكان رطب وتغطيتها بجوالات الخيش لعدة أيام لتنبت.
تُجفف الذريع تحت أشعة الشمس قبل طحنها ومزجها بالماء بعد إضافة البهارات المسحونة إليها كالزنجبيل، القرفة، الكمون والهيل. وتضيف بعض النسوة الكركدى والعرديب وربما جوز الهند المبشور والليمون.
عادة ما تُصاحب إعداد الآبرى طقوس سودانية أصيلة، مثل اجتماع النسوة لإعداده، بينما يحتسين أكواب الشاي وفناجين القهوة وسط تصاعـد دخان البخور لإكمال طقوس الكيف والمزاج، وسـرعان ما تختلط رائحة البخور الذكية مع رائحة الحلومر الفائحة أثناء إعداده على النار.
وترتبط تصاعد تلك الرائحة المحببة في مخيلة السودانيين باقتراب شهر رمضان، ولعل هذا ما يفتقدونه هذا العام بسبب الحرب.