سياسية

بعد موقفه من حرب غزة.. هل ينجح حزب العمال في استعادة ثقة مسلمي بريطانيا؟

لندن – نبض السودان

 تضع الحرب على غزة حزب العمال البريطاني مجددا أمام اختبار وتهدد بتعميق الخلافات في صفوفه، حيث يستعد النواب البريطانيون في مجلس العموم الأسبوع المقبل للتصويت للمرة الثانية على قرار بوقف فوري لإطلاق النار في غزة طرحه الحزب الوطني الأسكتلندي.
يأتي هذا في وقت لا يزال الحزب فيه يفتقد رؤية موحدة بشأن الموقف من الحرب الإسرائيلية، وسط مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى نزيف خزانه الانتخابي في أوساط الجاليات العربية والمسلمة.

انقسام حاد

وعدم وضوح الرؤية بشأن الطريقة التي سيدير بها الحزب التصويت المرتقب يزيد حدة الانقسام الذي يعيش على وقعه منذ بداية الحرب بعد فشل قيادته في تبني موقف مقنع لشريحة واسعة من قواعده الانتخابية، وتحدي أكثر من 56 نائبا قرار زعيم الحزب كير ستارمر بعدم التصويت لصالح قرار مماثل يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فيما وصفت بحركة “تمرد” استقال على إثرها 10 نواب بارزين من صفوفه.
وتعد عودة الجدل بشأن تأييد قرار بطلب وقف فوري لإطلاق النار في غزة امتحانا جديدا لتماسك الحزب الذي يستعد لخوض انتخابات برلمانية حاسمة في غضون أشهر، ولمدى اصطفاف كوادره خلف زعيمه كير ستارمر الذي تأرجحت مواقفه من الدعم الصريح للعملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة إلى مطالبة مترددة بهدنة إنسانية.
وهذا قبل أن يؤيد ستارمر في تغريدة له الأسبوع الماضي ما وصفه بـ”وقف مستدام” لإطلاق النار دون تبني دعوة صريحة لوقف فوري لإطلاق النار، وهو ما يراه كثر تلكؤا غير مبرر في ظل الأزمة الإنسانية غير المسبوقة التي يعيشها القطاع وتهديد الاحتلال الإسرائيلي بشن هجوم بري على رفح.
ودعا زعيم الحزب الوطني الأسكتلندي ستيفن فلين كلا من زعيم حزب المحافظين ريشي سوناك وزعيم حزب العمال كير ستارمر إلى دعم وقف إطلاق النار، مشددا على أن ما وصفه بـ”زمن المراوغة” قد انتهى، وأن أمام بريطانيا مسؤولية أخلاقية يجب أن تضطلع بها لوقف قتل المدنيين العزل في القطاع.

لكن في الوقت الذي يرجح أن الحزب لن ينحو هذه المرة في اتجاه معاقبة من قد يتمردون على قيادته بالتصويت لصالح القرار على غرار المرة السابقة دون استبعاد إمكانية تصويت الحزب لصالح قرار بوقف فوري لإطلاق النار يرجح البعض أن تمس تداعيات الحرب الإسرائيلية على القطاع حظوظه في السباق الانتخابي الذي يتطلع إلى احتلال صدارة نتائجه وقيادة الحكومة البريطانية المقبلة.

فقدان الثقة

وفي حديث للجزيرة نت، قال رئيس “مركز التفاهم العربي البريطاني” كريس دويل إن مواقف حزب العمال المتذبذبة بشأن الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة قد تكون لها تداعيات مقلقة على حظوظه الانتخابية.
وأكد أن الغضب بشأن تعاطي الحزب مع ما يجري في غزة لا يقتصر على الأقلية المسلمة أو الجاليات العربية التي تعد إحدى قواعد الحزب التقليدية، ولكنه يمتد أيضا إلى فئات أخرى واسعة تريد رؤية نهاية للحرب في غزة، وترى أن مواقف قيادته لا تنسجم مع اتجاه سائد في حواضنه الشعبية القلقة من تماهي بعض مواقفه مع التيار اليميني.
ويشدد دويل على أن الحرب في غزة صنعت أزمة حقيقية داخل الحزب يحاول استدراكها من خلال رسم صورة واضحة عن حجم تأثير الحرب في غزة على سلوك ناخبيه والبناء عليها لتعديل خطابه، لكن دون أن تختلف مواقفه إلى الآن بشكل جذري عن خصمه السياسي حزب المحافظين الذي يواصل تأييد العملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة.
حزب العمال البريطاني يواجه تحديات كبيرة بسبب موقفه من الحرب على غزة (رويترز)

قراءة صعبة

ويبدو استقراء ما ستؤول إليه نتائج الانتخابات المقبلة والعوامل التي يمكن أن تؤثر في قرار الناخبين البريطانيين -خصوصا مع دخول اقتصاد البلاد في حالة انكماش واستمرار حالة الاستقطاب السياسي- مهمة ليست بالسهلة.
فبعد نتائج مخيبة للآمال قبل أشهر لحزب العمال في انتخابات فرعية بمقاطعتين في العاصمة لندن ظفر فيهما الحزب بمقعد واحد فقط من أصل 3 مقاعد كانت محل تنافس استطاع الحزب أن ينتزع مقعدين جديدين في انتخابات فرعية أجريت أمس الخميس بأغلبية لافتة، فيما وصف بأنه أكبر تأرجح لأصوات في دائرة انتخابية من حزب المحافظين لصالح حزب العمال منذ ما يناهز 3 عقود.
وقالت صحيفة غارديان البريطانية إن “هذه النتائج تعد مؤشرا قويا على فوز حاسم مرتقب للحزب في الانتخابات البرلمانية المقبلة”.

لكن قد لا يبدو من السهل التنبؤ بما يستقر عليه الناخب البريطاني يوم الاقتراع، إذ أظهر استطلاع رأي أجرته المجموعة المسلمة في حزب العمال تراجعا ملحوظا في نسبة الدعم التي يحظى بها الحزب في صفوف الأقلية المسلمة ببريطانيا.
وتقلص عدد المسلمين الذين أعلنوا نيتهم التصويت للحزب خلال الانتخابات المقبلة إلى ما لا يتجاوز نسبة 43%، فيما كانت نسبة المسلمين الذين أبدوا رغبتهم التصويت للحزب خلال الانتخابات السابقة قد بلغت 86%.
وفي الوقت الذي يحاول الحزب استدراك تراجع التأييد في صفوف الأقلية المسلمة يعود الجدل بشأن طريقة تعاطيه مع اتهامات وجهت إلى بعض أعضائه بإطلاق تصريحات وصفت بأنها “معادية للسامية”.
جاء ذلك بعد قرار حزب العمال سحب دعمه عن أحد مرشحيه للانتخابات المقبلة على خلفية انتقاده لإسرائيل، فيما أعلن وقف دعمه مرشحا آخر في انتخابات فرعية أخرى مرتقبة نهاية الشهر الجاري بدعوى إطلاقه تصريحات “معادية للسامية”.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى