اقتصاد الميليشيات يبتلع اقتصاد الدولة
رصد – نبض السودان
في تاريخ المقاومة المسلحة للدول التي رزحت تحت الاحتلال، ما يستدعي الفخر والشرف والنياشين للرجال والأوطان. لكن في النزاعات المسلحة والحروب الأهلية والميليشيات والارتهان لدول أخرى، ما يستدعي الخزي والعار والانهيار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الطويل الأجل، لا سيما في الدول الهشة التي تعاني خللا بنيويا يقودها عادة إلى حروب بلا نهايات لا تبقي ولا تذر.
تنتفي أسباب استمرار أعمال المقاومة المسلحة في الدول مع انتهاء الحروب والاحتلال، وتفضي التحولات الجوهرية التي تشهدها حقبة ما بعد الحرب إما إلى إدماج عناصر المقاومة في منظومة الدولة، مدنيا وعسكريا، كمكوّن وطني يساهم في نهوضها، وإما إلى تحول العمل المقاوم إلى “غزو مسلح” يطمح قادته إلى بسط هيمنتهم على مفاصل الدولة والاستيلاء على الحكم وإدارة سياسة الدولة مباشرة أو بالوكالة، لا سيما إن استأثرت بأعمال المقاومة فئة تتميز بفكرها وعقيدتها وتبعيتها وتنفصل عن مجتمعاتها. عندئذ، تستحيل هذه الجماعات إلى ميليشيات تستجر الخراب وتزعزع الاستقرار داخليا وخارجيا.
في أحد الاجتماعات التي ضمتها وعددا من المقاومين الفرنسيين، تقول المقاوِمة الفرنسية الرائدة لوسي أوبراك، التي يخلد ذكراها وبطولاتها العديد من الأفلام والمؤلفات والكلمات المأثورة:
“le verbe résister doit toujours se conjuger au present”، أي أن المقاومة فعل يتعين إعرابه على الدوام بصيغة الحاضر، في إشارة واضحة إلى انتفاء صفة المقاومة عن أي عمل مسلح خارج إطار الدفاع عن السيادة والاستقلال. وقد ألحقته بالقول إن استمرار السلاح بيد رجال المقاومة من دون ان تكون هناك أعمال مقاومة جارية ضد المحتل يجعل من هؤلاء الرجال وسلاحهم رجال ميليشيا وعصابات.